د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
لدى زيارتنا لأي موقع الكتروني لأي مؤسسة صحية أو شركة طبية ، نقرأ عبارات جميلة مختارة بانتقائية وحرفية ، ولدى زيارتنا لمقراتها نجد أن تلك العبارات التي تندرج تحت ” الرؤية ، المهمة ، القيم ” معلقة على الجدران ، وهي ليست مجرد لوحات ، بل يجب أن تكون خريطة طريق ، وثقافة مؤسسية ، تسري في عروق كافة العاملين في تلك المؤسسة أو الشركة .
فهل هذا هو الواقع ، أم أن تلك العبارات تبقى مجرد كلمات منسوخة ؟
هوية المؤسسة
في أي مؤسسة صحية، سواء كانت مستشفى أو عيادة، تكوين ثقافة مؤسسية تتمحور حول رؤيتها ومهمتها وقيمها ليس مجرد أمر مهم بل أساسي لنجاحها وتأثيرها على رعاية المرضى.
إن جوهر هذه العناصر يحدد هوية المؤسسة، ويوجه عملياتها وتفاعلاتها، وفي النهاية، جودة الرعاية التي تقدم للمرضى.
الرؤية والمهمة والقيم:
المبادئ الرئيسية في الرعاية الصحية
الرؤية:
تصوّر تطلعات وأهداف المؤسسة على المدى الطويل. إنها توفر اتجاهًا واضحًا وتلهم أصحاب المصلحة للعمل نحو هدف مشترك. على سبيل المثال، يمكن أن تكون الرؤية للمستشفى أو العيادة “أن نكون الرائد في تقديم رعاية صحية مبتكرة ومتسمة بالرحمة في مجتمعنا”.
المهمة:
تحدد الغرض الأساسي للمؤسسة وسبب وجودها. إنها تحدد الخدمات المقدمة ولمن، وكيفية تقديمها. يمكن أن تكون مثالاً لبيان المهمة “تقديم خدمات رعاية صحية عالية الجودة، مركزة حول المريض ومتاحة لجميع أفراد مجتمعنا”.
القيم:
تمثل المعتقدات والمبادئ الأساسية التي توجّه سلوكيات وعمليات اتخاذ القرارات في المؤسسة. يمكن أن تشمل القيم الرحمة، النزاهة، التميز، العمل الجماعي، واحترام المريض كإنسان ، والالتزام بسلامته.
دور التدريب في تعزيز القيم المؤسسية
البرامج التدريبية الفعّالة ضرورية لغرس وتعزيز القيم المؤسسية بين العاملين في مجال الرعاية الصحية. يجب أن يتجاوز التدريب تعليم المهارات التقنية ليشمل أهمية الرعاية المركزة على المريض، والتعاطف، والاتصال، والسلوك الأخلاقي.
إليك كيف يساهم التدريب في تشكيل فريق عمل متماسك ومستنير بقيم المؤسسة:
برامج التوجيه والتعريف:
يجب أن يخضع الموظفون الجدد، سواء الأطباء أو الممرضون أو الموظفون الإداريون، لبرامج توجيه شاملة. تقدم هذه البرامج تاريخ المؤسسة، وقيمها، وسياساتها، وإجراءاتها، وتوقعاتها. يمثل التوجيه فرصة لتحقيق توافق العاملين الجدد مع ثقافة المؤسسة منذ البداية.
التطوير المهني المستمر:
التدريب المستمر والتطوير أساسيان لبقاء العاملين في مجال الرعاية الصحية على اطلاع بآخر التطورات الطبية وأفضل الممارسات والمتطلبات التنظيمية. وراء المهارات السريرية، يجب أن يشمل التعليم المستمر وحدات عن التواصل مع المريض، والكفاءة الثقافية، والجوانب الأخلاقية، والعمل الجماعي.
التدريب الخاص بالأدوار الوظيفية:
تتطلب الأدوار المختلفة داخل المؤسسة الصحية تدريبًا متخصصًا. على سبيل المثال، يمكن أن يتلقى الممرضون تدريبًا في تقييم المريض وتخطيط الرعاية، في حين يمكن أن يخضع الموظفون في الاستقبال ومركز الاتصال لتدريب في خدمة العملاء وجدولة المواعيد. تضمن برامج التدريب المخصصة أن يفهم كل موظف دوره في تقديم رعاية مركزة على المريض وفقاً لقيم المؤسسة.
تطوير القيادات:
يجب أن تركز برامج التدريب أيضًا على تطوير مهارات القيادة بين العاملين في مجال الرعاية الصحية.
القادة هم من يحددون طابع ثقافة المؤسسة ويجب أن يكونوا أمثلة حية للقيم التي يتوقعون أن يتبناها أي موظف في المؤسسة أو الشركة.
يجب أن يركز تطوير القادة على التواصل الفعال، وحل النزاعات، واتخاذ القرارات، وتعزيز بيئة عمل داعمة وجاذبة .
المحاكاة والتدريب العملي:
تسمح التمارين المحاكاة والسيناريوهات التدريبية العملية للمهنيين في مجال الرعاية الصحية بممارسة المهارات السريرية في بيئة مراقبة. يمكن أن تحاكي هذه التمارين التفاعلات الصعبة مع المرضى أو المواقف الطارئة، مما يمكن المهنيين من تطبيق معرفتهم والالتزام بقيم المؤسسة.
اختيار وتطوير العنصر البشري وفق القيم المؤسسية
عملية اختيار العنصر البشري في المؤسسات الصحية يجب أن تقيم ليس فقط الكفاءات التقنية ولكن أيضًا مدى توافق المتقدمين مع قيم المؤسسة. إليك بعض الاعتبارات الرئيسية لاختيار وتطوير فريق عمل يتماشى مع قيم المؤسسة:
التوظيف والاختيار:
خلال عملية التوظيف، يجب أن يظهر المرشحون فهمًا والتزامًا بقيم المؤسسة. يمكن أن تساعد المقابلات السلوكية وتقييم السيناريوهات في تقييم قدرة المرشحين على اتخاذ القرارات الأخلاقية ومهارات التعاطف والعمل الجماعي.
اختيار المرشحين الذين يجسدون هذه القيم منذ البداية يوفر أساسا قويا لفريق متجانس.
فإذا تبين لك أن المرشح يتفهم قيم المؤسسة ومؤمن بها ، ولنفترض تنقصه مهارة عملية ما ، أو لا يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة ، فهذا الموظف يمكنك قبوله ، باعتبار أن الجزء الأساسي متوفر لديه ، أما اللغة الإنجليزية ، فمن خلال التحاقه ببرنامج لتعليم اللغة الإنجليزية يمكنه اكتسابها خلال وقت قصير نسبياً .
تقييم الأداء:
يجب أن تتضمن تقييمات الأداء تقييم مدى تقديم الموظفين للقيم المؤسسية في أدوارهم اليومية. توفر جلسات التعليق فرصة لتعزيز السلوكيات الإيجابية ومعالجة أي اختلافات في التوافق مع قيم المؤسسة.
الاعتراف والمكافآت:
يعزز الاعتراف بالموظفين الذين يجسدون قيم المؤسسة سلوكيات المرغوبة. سواء من خلال برامج الاعتراف الرسمية، أو الجوائز، أو فرص التقدم في الحياة المهنية، يسهم التعرف على إسهامات الموظفين في رعاية المرضى وثقافة المؤسسة في تعزيز ثقافة الكفاءة.
الملاحظة والتحسين المستمر:
آليات التغذية الراجعة المنتظمة، مثل استطلاعات الرأي للموظفين أو مجموعات التركيز، تسمح للمهنيين في خدمات الرعاية الصحية بتقديم مدخلات حول ثقافة المؤسسة وقيمها. ومما لا شك فيه أن تطبيق آليات التغذية الراجعة بانتظام يبرهن على التزام القيادات بالتحسين المستمر ويضمن أن تظل قيم المؤسسة ذات الصلة والفعالة.
الأثر على رعاية المرضى وتجربتهم
الثقافة المؤسسية المتماشية مع القيم والعنصر البشري المدرب بشكل جيد تؤثر مباشرة على رعاية المرضى وتجربتهم بعدة طرق:
– زيادة الثقة والرضا لدى المرضى: يميل المرضى إلى الثقة والرضا بخدمات الرعاية الصحية عندما يدركون أن مقدمي الرعاية يتبنون قيم مثل الرحمة والاحترام والنزاهة.
– تعزيز التواصل والتعاون: يعمل الفريق المتماسك والمتماشي مع قيم المؤسسة على تعزيز التواصل الفعال والتعاون بين مقدمي الرعاية الصحية. يعزز هذا التعاون تنسيق الرعاية وسلامة المرضى.
– الرعاية المركزة على المريض: المهنيين الذين يعتبرون الرعاية المركزة على المريض أولوية يساهمون في اتخاذ القرارات الطبية بناءً على تفضيلات المرضى وقيمهم وخلفياتهم الثقافية.
– السلامة وجودة الرعاية: الالتزام بالقيم المؤسسية يسهم في بيئة صحية أكثر أمانًا ويعزز جودة نتائج الرعاية. الموظفون الذين يولون الاهتمام بسلامة المرضى ومبادرات تحسين الجودة يعكسون التزام المؤسسة بالتفوق.
أخيراً،
يعدّ بناء ثقافة مؤسسية متماسكة ومتماشية مع القيم الإنسانية في المؤسسات الصحية أمراً بالغ الأهمية لتحسين رعاية المرضى وتعزيز تجربتهم.
يعتبر التدريب المبني على القيم جزءاً أساسياً من هذه العملية، حيث يساهم في تشكيل فريق عمل متفانٍ ومتحفز يعمل نحو تحقيق رؤية ومهمة المؤسسة.
bassam@balsamhealthcare.com
