المنتدى الصحي

الاستثمار في الصحة العامة:من أجل مجتمع قوي ومستدام

” كل دولار يُستثمر في الصحة العامة يحقق عائدًا اقتصاديًا يتراوح بين 4 و12 دولارًا”

د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

الصحة العامة ليست مجرد قطاع خدمي بل تعد حجر الأساس في بناء مجتمعات قوية ومستدامة. فحين نستثمر في الصحة العامة، فإننا نؤسس لبيئة قادرة على دعم الحياة بطرق لا تحسن من جودة حياة الأفراد فحسب، بل تقوي المجتمع ككل.

  1. الصحة العامة وجودة الحياة
    أثبتت الأبحاث مرارًا وتكرارًا أن الدول التي تستثمر بشكل كبير في الصحة العامة، تنعم بمعدلات حياة أطول وجودة معيشية أعلى. فوفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن التحسينات في الصحة العامة ساهمت في زيادة متوسط العمر المتوقع في العالم بنسبة 10% خلال العقود الأخيرة. وتشير الدراسات إلى أن الاستثمار في الصحة العامة يعود بالفائدة على مختلف القطاعات، بدءًا من التعليم وصولاً إلى الاقتصاد. فعندما يكون الأفراد في صحة جيدة، يزداد إنتاجهم، وتنخفض معدلات الغياب عن العمل، ما يعزز الاقتصاد ويقلل من التكاليف المرتبطة بالأمراض المزمنة.
  2. السياسات المبنية على الأدلة
    السياسات المبنية على الأدلة هي سياسات يتم تطويرها استنادًا إلى دراسات علمية وبيانات دقيقة لضمان تحقيق أفضل النتائج. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها مجلة الصحة العامة البريطانية أن تطبيق سياسة دعم الرعاية الوقائية بدلاً من التركيز فقط على علاج الأمراض كان له تأثير كبير في تقليل تكاليف الرعاية الصحية بنسبة تصل إلى 20%. ولقد اعتمدت العديد من الدول، مثل السويد وهولندا، هذا النهج مما ساهم في خفض معدلات الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب، وتحقيق حياة أطول وأكثر صحة لمواطنيها.
  3. الابتكار في مجال الصحة العامة
    التكنولوجيا والابتكار يلعبان دورًا محوريًا في تطوير الصحة العامة، من خلال توفير أدوات جديدة لتحسين الرعاية الصحية ومكافحة الأمراض. على سبيل المثال، أظهرت دراسات أجريت في الولايات المتحدة أن تطبيقات الهواتف الذكية التي تراقب مستوى اللياقة البدنية وتُشجع الأفراد على الحركة والنشاط، ساعدت على تقليل معدلات السمنة بنسبة 15% خلال فترة قصيرة. وتعمل الابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة على توفير رؤى دقيقة عن سلوكيات الأفراد الصحية، مما يسهل عملية اتخاذ قرارات صحية أكثر فعالية.
  4. الاستدامة في أنظمة الصحة العامة
    الاستدامة هي عامل حاسم في تصميم أنظمة صحية قادرة على تحمل التحديات المستقبلية. ويشير تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن الأنظمة الصحية المستدامة تعتمد على الإدارة الفعالة للموارد، وتقديم الرعاية الأولية، والاستثمار في الوقاية. ففي كندا، على سبيل المثال، نجح نظام الرعاية الصحية القائم على الوقاية من الأمراض في تقليل تكاليف الرعاية الصحية بنسبة 30% خلال العقد الأخير. كما أثبتت مبادرات تعزيز الصحة، مثل التثقيف الصحي وبرامج الدعم النفسي، فاعليتها في بناء نظام صحي مستدام يُلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.
  5. الصحة العامة داعم رئيسي للاقتصاد
    تظهر دراسات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) أن الصحة العامة ليست عبئًا على الاقتصاد كما يعتقد البعض، بل هي رافدٌ أساسي لدعمه. إذ أظهرت دراسة حديثة أن كل دولار يُستثمر في الصحة العامة يحقق عائدًا اقتصاديًا يتراوح بين 4 و12 دولارًا، اعتمادًا على القطاع الصحي المعني. ومن بين الأمثلة الملموسة، تجربة سنغافورة في الاستثمار في الصحة العامة، حيث أدى التركيز على الوقاية والتوعية إلى خفض معدل الأمراض المكلفة كالسكري وارتفاع ضغط الدم، مما ساعد الاقتصاد الوطني في توفير مليارات الدولارات سنويًا.
  6. الصحة العامة: رؤية للمستقبل
    يمثل الاستثمار في الصحة العامة رؤية استراتيجية لمستقبل يعمه الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي. إن بناء مجتمعات صحية ومستدامة يتطلب دعمًا حكوميًا واستثمارات مبتكرة تواكب التطور وتراعي التحديات. ومن هنا، ينبغي على أصحاب القرار الاستمرار في تقديم الدعم للسياسات الصحية، وتشجيع الأبحاث والابتكارات الطبية، لضمان مستقبل أفضل للجميع.
    إن الصحة العامة ليست مجرد خدمة، بل هي العمود الفقري لمجتمع قوي ومتقدم. فحين نُدرك أهمية الاستثمار في هذا المجال ونوجه مواردنا نحو السياسات والابتكارات الصحية المبنية على الأدلة، فإننا نُنشئ قاعدة راسخة تضمن لنا جودة حياة أفضل ومستقبلًا مزدهرًا ومستدامًا.
    bassam@balsamhealthcare.com

مقالات شائعة

Exit mobile version