المنتدى الصحي

التحول الصحي .. ما بين مفهوم ” العلاج والوقاية “

كلفة المرض باهظة جداً ، وكلفة الوقاية منه زهيدة جداً

بقلم : د. بسام درويش

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

جوهر الرعاية الصحية ليس المريض أولا ، بل هو الفرد الصحيح الجسم أولا ، والخدمات التي تركز على الوقاية أولا وإدارة المرض لدى المريض ،  خصوصاً أن كلفة المرض باهظة جداً وكلفة الوقاية من المرض زهيدة جداً ، وما زلت أتساءل ” لم نصرّ على هدر المبالغ الباهظة على العلاج ، ولا نوفر جزءاً منها في تعزيز الصحة والوقاية أولا ، واستثمار الجزء الكبير منها في الاستثمار في المعرفة البشرية .

 الهدف الأساسي لأي مؤسسة صحية هو التمكين ، والتمكين يحتاج الى وسائل ، فهل هذه الوسائل متوفرة ؟

هذا هو السؤال .

نعم، هذا هو سؤال مهم يتعلق بجوهر الرعاية الصحية.

كثيراً ما أسمع العبارات التالية ” لدى أفراد المجتمع وعي ، والمريض صار يعرف مرضه ” .

المعادلة بسيطة ، إذا كان في مجتمعاتنا العربية وعي صحي كاف ، فهذا يعني أن نسبة الأمراض يجب أن تقل تدريجياً ، وهنا نسأل ، لم زيادة الوزن يعاني منها أطفالنا ، كما شبابنا ، ولم التدخين في ازدياد ، ولم الأمراض المزمنة يكاد لا يخلو منها بيت من البيوت ، ولم قلة الحركة باتت سمة سائدة ، ولم العضلات تبنى بطرق صناعية ، وليس بالرياضة ، ولم المريض لا يراجع الطبيب الا بعد أن يشتد المرض ، ولم المريض يدخل الى غرفة الطبيب وفي ذهنه خمس أسئلة مثلاً ، ويخرج منها ولديه ربما عشرات الأسئلة أو سؤالا جوهريا دون جواب . ولم لا نزور الطبيب في حالة الصحة وغيرها من التساؤلات الهامة التي تحتاج الى إجابات شافية؟

التمكين من أجل الصحة

نسمع عن التحول الرقمي في المشهد الصحي، وعن تقنيات الذكاء الاصطناعي ولكن ، ما نحتاجه أولا هو “

تمكين الصحة والتحول من العلاج إلى الوقاية، ففي المشهد المتطور باستمرار للرعاية الصحية، يعد التحول النموذجي أمرا بالغ الأهمية لتعزيز الرفاهية العامة. في حين أن العلاج لا يزال جانبا أساسيا، فإن التركيز على التمكين والوقاية يمكن أن يحدث ثورة في استراتيجيات الرعاية الصحية.

الوقاية أساس الرفاهية

 تضع الوقاية الأساس لمجتمع أكثر صحة، وتعالج المخاوف الصحية قبل أن تتصاعد إلى ظروف خطيرة. من خلال تعزيز العادات الصحية والفحوصات الروتينية واللقاحات، إذ تساهم التدابير الوقائية في نظام رعاية صحية قوي.

فعالية التكلفة

 الاستثمار في الوقاية مفيد اقتصاديا، لأنه غالبا ما يكون أكثر فعالية من حيث التكلفة من علاج الأمراض المتقدمة إذ يؤدي الكشف والتدخل المبكر إلى تقليل العبء المالي على كل من الأفراد وأنظمة الرعاية الصحية.

جودة الحياة

 إن تمكين الأفراد بالمعرفة والأدوات اللازمة للوقاية يعزز نوعية حياتهم، ويساهم في تشجيع تغيير نمط الحياة، مثل التغذية السليمة وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، في الرفاهية على المدى الطويل.

التثقيف والتعليم

يبدأ التمكين بالتعليم. إن توفير معلومات يمكن الوصول إليها حول التدابير الوقائية يمكن الأفراد من اتخاذ قرارات مستنيرة. تلعب حملات التوعية العامة وبرامج التوعية المجتمعية دورا محوريا في نشر المعرفة، ولهذا نردد دائماً بأهمية دمج التثقيف الصحي ضمن المناهج التدريسية بطريقة مبسطة وعلمية وعملية أيضاً، إذ أن التوعية في الصغر تعني صحة وحيوية في الكبر.

وللتأكيد على أهمية دمج التثقيف الصحي ضمن المناهج التدريسية نضرب مثال يتعلق بصحة الثدي عند الإناث، إذ نشجع الإناث على الفحص السنوي بالماموغرام، ونوفر لهم بالتحديد في شهر أكتوبر، عروض وفعاليات من أجل التشخيص الباكر، وهذا مهم، ولكن الأكثر أهمية هو تعليمهم في المدارس مكونات الثدي الطبيعية، وكيفية الفحص الذاتي الشهري، ومتى يجب مراجعة طبيب العائلة ، ومن خلال ذلك سنقلل بشكل كبير من التشخيص في سن الثلاثين او الأربعين او بعد ذلك .

مشاركة المريض

حينما نقول ” المريض أولاً ” يجب أن يكون المريض شريكاً استراتيجياً في رحلة الرعاية الصحية، وفي تطوير خدمات الرعاية الصحية والارتقاء بالجودة من أجل السلامة أولاً. ولا شك في أن إشراك المرضى بنشاط في رحلة الرعاية الصحية الخاصة يعزز الشعور بالمسؤولية عن رفاهيتهم. ، ويعزز لديهم أن الصحة للجميع ومن خلال الجميع ، وهذا يتطلب من مقدمي الرعاية الصحية تشجيع الحوار مع المرضى والأصحاء ، ومنحهم حقهم في الوقت الكافي للاستماع إلى ما يشغل بالهم ، وقلقهم حول صحتهم ، ومما لا شك فيه أن ضمان فهم المرضى لأهمية التدابير الوقائية المصممة خصيصا لاحتياجاتهم الفريدة يحسن النتائج بشكل كبير.

فهل يعقل مثلا أن يرى طبيب واحد عشرين مريضا وبعضهم يرى أضعاف هذا الرقم خلال يوم عمل واحد أي خلال ثمان ساعات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطبيب هو إنسان، يحتاج الى وقت قصير للراحة، ويحتاج الى تناول الطعام والدخول الى الحمام، وغيرذلك.

كيف يمكن الارتقاء بجودة خدمات الرعاية الصحية بهذه الطريقة؟

تقنيات حديثة والذكاء الاصطناعي

لا شك أن التقنيات الحديثة مثل التطبيقات الصحية والأجهزة القابلة للارتداء ، للأفراد مراقبة صحتهم بشكل استباقي، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتطبيب عن بعد تساعد كثيراً في خدمات الرعاية الصحية ،ولكن في هذا المجال يجب ألا يغيب عن البال ان البعض قد لا يحبذ استخدام هذه التقنيات ، أو التطبيقات ، أو لا يجيد استخدامها مثل غيره ، ومن هنا نعود الى ” التمكين ” أي توفير الوسائل التي تساعد الجميع على إدارة حياته الصحية بالطريقة المناسبة .

 التحديات والحلول

  يتطلب التغلب على مقاومة تغييرات نمط الحياة تدخلات سلوكية مستهدفة ودعما تحفيزيا. يمكن للبرامج المجتمعية ومجموعات الدعم معالجة الجوانب النفسية التي تعيق الإجراءات الوقائية.  وتخصيص الموارد يتطلب إعادة توجيه الموارد نحو الرعاية الصحية الوقائية والتخطيط الاستراتيجي والتعاون بين أصحاب المصلحة. يمكن للحكومات ومؤسسات الرعاية الصحية تحفيز المبادرات الوقائية من خلال تغييرات بسيطة في حياتنا اليومية والتي تحدث فرقاً كبيراً في حياتنا الصحية ، ومن خلال تجسيد الشعار التالي ” الصحة للجميع ، ومن خلال الجميع” على أرض الواقع ، مثلاً ، وضع برامج رياضية صباحية في المدارس في السابعة صباحا حيث يمارس الجميع من الطلبة الى الهيئات التدريسية الى الموظفين التمارين الرياضية من أجل اللياقة والحيوية والنشاط الجسدي والذهني . ويمكن مثلا توفير غرفة من غرف الاجتماعات في أي مؤسسة لممارسة التمارين الرياضية في وقت الراحة أو قبل بدء الدوام أو بعد الانتهاء من الدوام ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال .

عدم السماح ببيع المنتجات غير الصحية في المستشفيات  الحكومية والخاصة – وللأسف موجودة – ، فلنفترض أن الطفل يخرج من عيادة الطبيب الذي كان ينصحه بضرورة عدم تناول المشروبات والأطعمة الغنية بالسكريات وغيرها ، مثل الشيبس والمشروبات الغازية ، و في الممر القريب من عيادة الطبيب أو عند مدخل او مخرج المستشفى يوجد الجهاز الذي يوفر مثل هذه الأطعمة والمشروبات غير الصحية .

كيف للطفل أن يقتنع أن كلام الطبيب صحيحاً ، حتى يلتزم به ؟

الرعاية المستدامة

  لكي تكون الرعاية الصحية فعّالة، يجب أن تركز على المريض كفرد وعلى الوقاية والتمكين. هنا بعض النقاط التي قد تساعد في فهم إذا ما كانت الوسائل المناسبة متوفرة:

  1. التمكين من خلال التثقيف:
    1. هل يتم توفير موارد تعليمية للمرضى حول كيفية الحفاظ على صحتهم والوقاية من الأمراض؟
    1. هل يتم توفير معلومات شفافة حول الأدوية وتأثيراتها الجانبية ، والمضاعفات المحتملة الناجمة عن أي خطة علاجية بما في ذلك الأمراض المزمنة وكيفية إدارتها بالطريقة الصحيحة؟
    1. هل لدينا مواقع صحية رسمية بمثابة الموسوعة الصحية ؟
  2. التمكين من خلال الإدارة الذاتية:
    1. هل تتيح الخدمات للمرضى إدارة صحتهم الشخصية ومتابعة حالتهم عن بُعد؟
    1. هل هناك دعم لتطبيقات الصحة واللياقة البدنية التي تساعد المرضى على تحسين نمط حياتهم؟
  3. الوقاية من خلال الكشف المبكر:
    1. هل يتم تشجيع المرضى على الكشف المبكر عن الأمراض والفحوصات الروتينية؟
    1. هل تتاح فحوصات الوقاية والتحاليل الدورية بشكل سهل وميسر للجميع؟
  4. الرعاية المستدامة:
    1. هل هناك دعم للمرضى بمتابعة نمط حياتهم الصحي واتخاذ القرارات الصحية؟
    1. هل توفر الخدمات متابعة دورية للمرضى لضمان استمرار تحسين حالتهم الصحية؟
  5. توفر الخدمات:
    1. هل هناك توفر كافٍ للخدمات الطبية والتشخيصية بشكل فعّال؟
    1. كيف يتم توفير خدمات الرعاية النفسية والاستشارة النفسية إذا كانت ضرورية؟
  6. مراعاة الحالات الخاصة:
    1. هل تتم مراعاة احتياجات المرضى الخاصة، مثل ذوي الإعاقة أو غيرهم؟
    1. هل تتيح الخدمات التخصيص وفقًا لاحتياجات كل مريض بشكل فردي؟

إذا تم توفير هذه الوسائل بشكل جيد، فإن الرعاية الصحية ستكون قائمة على أساس يعزز التمكين والوقاية.

الخلاصة

تمكين الأفراد من خلال الرعاية الصحية الوقائية ليس مجرد تحول في الاستراتيجية ، أو تحول نحو الصحة الالكترونية، هي ثقافة أولاً ، إنها إعادة تصور أساسية لمشهد الرعاية الصحية. من خلال تعزيز ثقافة الوقاية ومن خلال التمكين ، يمكننا بناء مجتمعات أكثر صحة ، وتقليل الضغط على أنظمة الرعاية الصحية ، وفي النهاية تحسين نوعية الحياة للأفراد في المجتمع.

الأوان لم يفت بعد

لقد حان الوقت لتبني نهج شامل يضع الصحة أولاً من خلال امتلاك المعرفة الصحية ، ومن خلال تعزيز الطب القائم على البرهان والأدلة العلمية ، لأن المعرفة أساس التوعية ، والتوعية هي الخطوة الأولى لإدارة الصحة ومنع حدوث مضاعفات أي مرض ، فلنستثمر في الصحة من الإنسان ، لأن الصحة نعمة ، والمعرفة قوة ، والالتزام واجب وطني ، ولهذا أطلقنا شعار ” صحتي ثروة لوطني ” .

bassam@healthinarabic.com

مقالات شائعة

Exit mobile version