المنتدى الصحي

التوعية لتقليل قائمة الانتظار للتبرع بالأعضاء:

 قصص إنسانية تلهمنا للعمل من أجل الصحة أولا

بقلم: د. بسام درويش 

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي 

عندما نتحدث عن التبرع بالأعضاء وزراعة الأمل في نفوس المرضى، نجد قصصًا إنسانية مؤثرة تنبض بالحياة والتضحية. إن قصص الأبطال الذين قدموا جزءًا من أنفسهم لإنقاذ حياة آخرين، تبعث فينا الأمل وتذكرنا بأهمية العمل المستدام لتقليل قائمة الانتظار للتبرع بالأعضاء. في الإمارات العربية المتحدة، يلعب البرنامج الوطني للتبرع بالأعضاء “برنامج حياة” دورًا كبيرًا في نشر ثقافة التبرع، بالتعاون مع المستشفيات والشركات والمؤسسات الحكومية، بهدف تحسين جودة الحياة لآلاف المرضى الذين ينتظرون فرصة جديدة للعيش. 

 قصة هند: التضحية من أجل الأم

خلال لقاء في برنامج “بلسم” مع الآنسة هند، تركت قصتها أثرًا عميقًا في نفسي. هند قررت أن تتبرع بكليتها لوالدتها، التي كانت تعاني من الفشل الكلوي وتحتاج إلى زراعة عاجلة. كان قرار هند نابعًا من حبها الكبير لوالدتها ورغبتها في منحها حياة جديدة خالية من الألم والمعاناة. قالت لي خلال المقابلة: “عندما علمت أنني أستطيع مساعدة والدتي، لم أتردد لحظة. رؤيتها تتمتع بصحة جيدة كان دافعي الأكبر”. تضحية هند ليست مجرد تبرع بكلى، بل هي رسالة قوية لكل منا حول أهمية العطاء الإنساني الذي يتجاوز حدود الذات ليمنح الآخرين الأمل.

 رجل ينتظر متبرعًا ويعيش على الأمل

منذ فترة، تلقيت اتصالاً من رجل ذو مكانة مرموقة في المجتمع، مريرض بفشل كلوي وينتظر متبرعًا توافق معه لزرع الكلية. كان حديثه معي مليئًا بالألم والأمل في آنٍ واحد. تحدث عن صعوبات غسيل الكلى والمضاعفات الصحية التي ترافقها، وعن الأيام الطويلة التي يقضيها في المستشفى، منتظرًا تلك المكالمة التي قد تنقذ حياته. كان يحكي قصته وكأنها نداء للجميع للانضمام إلى قائمة المتبرعين بالأعضاء، ومساعدة آلاف المرضى الذين يعانون بصمت.

 حادثة مؤلمة: وفاة رجل في طريقه لغسيل الكلى

هناك قصة أخرى تركت في نفسي أثرًا عميقًا عندما علمت عن رجل كان يتوجه لوحده إلى جلسة غسيل الكلى، لكنه تعرض لحادث مروري فارق الحياة بسببه. كانت تلك القصة بمثابة تذكير لنا بالصعوبات الهائلة التي يواجهها مرضى الفشل الكلوي، الذين يعانون من ضعف الصحة والتنقل بشكل متكرر إلى المستشفى للخضوع للعلاج. هذه القصص تؤكد الحاجة الملحة لتقليل قائمة الانتظار من خلال تعزيز برامج التبرع بالأعضاء وتشجيع الناس على الانضمام إلى هذا العمل النبيل.

 “كفو” حسين: تبرع بشجاعة لإنقاذ طفل لا يعرفه

قصة ملهمة أخرى من المملكة العربية السعودية تجسد المعاني الحقيقية للعطاء. الشاب حسين، الذي شجعته زوجته قائلة “أنت كفو”، تبرع بكليته لطفل لا يعرفه، مانحًا إياه فرصة جديدة للحياة. تلك الكلمات البسيطة كانت الشرارة التي دفعت حسين لاتخاذ هذا القرار الشجاع، معبرًا عن إيمانه بأن العطاء لا يعرف الحدود، وأن بإمكان الإنسان أن ينقذ حياة شخص لا يعرفه بمجرد التبرع بجزء من جسده.

 التحديات التي تواجه مرضى الفشل العضوي في انتظار التبرع

تسلط هذه القصص الإنسانية الضوء على التحديات الصعبة التي يواجهها مرضى الفشل الكلوي والكبدي وغيرهم ممن ينتظرون عمليات زراعة الأعضاء. تتنوع هذه التحديات من الانتظار الطويل للأعضاء المتوافقة، والمضاعفات الصحية الناتجة عن الغسيل المتكرر للأعضاء، إلى الضغوط النفسية التي يشعر بها المرضى وأسرهم. لذلك، يتعين علينا أن نضاعف الجهود لتقليل قائمة الانتظار وضمان حصول كل مريض على فرصة للشفاء.

 دور “برنامج حياة” في تقليل قائمة الانتظار

منذ سنوات، يسعى “برنامج حياة” في الإمارات إلى تسريع عمليات التبرع بالأعضاء، وتحسين فرص الزراعة للمرضى، من خلال العمل المتواصل مع المستشفيات والمراكز الطبية والشركات والمؤسسات الحكومية. يقوم البرنامج بدور فعال في نشر ثقافة التبرع بالأعضاء وتوعية المجتمع بأهمية هذا العمل الإنساني الذي يسهم في إنقاذ حياة الكثيرين. إضافة إلى ذلك، يسهم البرنامج في تسهيل الإجراءات القانونية وفقًا لقانون التبرع وزراعة الأعضاء في الدولة، مما يعزز الثقة بالنظام الصحي ويشجع المزيد من الناس على التسجيل كمتبرعين.

 الوقاية أولاً: الطريق الأمثل لتقليل الحاجة إلى زراعة الأعضاء

يمكن لتبني نهج الوقاية أن يقلل بشكل كبير من الطلب على زراعة الأعضاء، من خلال:

1. تعزيز التوعية حول الوقاية من أمراض الكلى والكبد والقلب:

   – تشجيع المجتمع على اتباع نمط حياة صحي يشمل التغذية السليمة، وممارسة النشاط البدني، والامتناع عن التدخين، مما يقلل من مخاطر الإصابة بالأمراض التي تؤدي إلى تلف الأعضاء.

2. الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة:

   – ضمان إجراء فحوصات دورية للكشف عن الأمراض المزمنة وتقديم العلاجات المناسبة في مراحلها المبكرة، مما يقلل من احتمالية الوصول إلى مرحلة الفشل العضوي.

3. التوعية المستمرة:

   – يجب أن تكون حملات التوعية الصحية متواصلة في المدارس، والجامعات، وأماكن العمل، لنشر الوعي بأهمية الوقاية والتبرع بالأعضاء.

 توصيات لتقليل قائمة الانتظار للتبرع بالأعضاء

1. تعزيز برامج الوقاية والكشف المبكر، مما يقلل من معدلات الإصابة بأمراض تؤدي إلى الفشل العضوي.

2. إطلاق حملات توعية مجتمعية مستمرة لتشجيع الأفراد على التسجيل كمتبرعين، مع التركيز على قصص النجاح الملهمة لتشجيع الآخرين.

3. زيادة التعاون بين المستشفيات، والمؤسسات الصحية، والجهات الحكومية، لضمان تقديم أفضل النتائج لعمليات الزراعة.

4. دعم “برنامج حياة” وتوسيع نطاق عمله، ليشمل توعية المجتمع بشكل أوسع حول أهمية التبرع بالأعضاء.

5. تطوير بنية تحتية متكاملة تضمن سهولة وسرعة إجراءات التبرع، وفقًا لقانون التبرع وزراعة الأعضاء في الدولة.

دمح التوعية الصحية وثقاقة التبرع في المناهج التعلميية منذ الصغر بطريقة مبتكرة

تعزيز ثقافة التطوع

إن تقليل قائمة الانتظار للتبرع بالأعضاء يتطلب تضافر الجهود والتعاون المستمر بين الأفراد والمؤسسات والجهات الحكومية. القصص الإنسانية المؤثرة مثل قصة هند وحسين والرجل الذي فقد حياته في طريقه للعلاج، تدعونا جميعًا للوقوف مع المرضى الذين يحتاجون إلى دعمنا، والعمل على تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء وتقديم الأمل للمحتاجين.

حياة من أجل الحياة

“برنامج حياة” يقود هذه الجهود في الإمارات، ويشكل نموذجًا يحتذى به في مجال التبرع بالأعضاء على مستوى المنطقة. مع التزامنا المستمر بتعزيز الوعي والوقاية، يمكننا أن نبني مستقبلًا أفضل وأكثر صحة للجميع، حيث تكون الحياة حقًا متاحًا للجميع.

bassam@balsamhealthcare.com

مقالات شائعة

Exit mobile version