لا يٌقاس عُمر الإنسان ليس فقط بعدد السنوات التي تمر عليه، ولا بتغيرات شعره وتجاعيده، بل هو قياس لرحلته في الحياة، وما يفيض من هذه الرحلة من حب وخير للآخرين، وابتسامات وسعادة تملأ قلبه. هذه الرحلة العميقة هي ما يعطي الإنسان المعنى، حيث تنبع السعادة من الداخل، من رغبته الصادقة في أن يجعل حياته وحياة من حوله، وحتى مجتمعه ووطنه، أغنى وأجمل.
انطلاقاً من هذا الفهم الشامل والمبني على الأدلة العلمية، قامت الأكاديمية الوطنية للطب بتشكيل لجنة دولية لرسم “خارطة الطريق العالمية للصحة وطول العمر”. تهدف هذه الخارطة إلى بناء مجتمعات صحية تدعم الأفراد في مختلف مراحل حياتهم، مع التركيز على تحقيق العدالة الصحية بين الدول.
رؤية صحية طويلة الأمد لعام 2050
ترسم اللجنة الدولية في رؤيتها لعام 2050 مستقبلاً مشرقاً يعيش فيه الأفراد بصحة جيدة وحياة غنية بالقيم والمعنى. ويستند هذا المستقبل على أسس التعاون العالمي الذي يشمل الحكومات والمؤسسات والأفراد. فعلى سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن المدن التي توفر بيئات معيشية صحية، من حيث المساحات الخضراء، والتنقل النشط، والمرافق الصحية، تعزز الصحة النفسية والجسدية لسكانها. دولة الإمارات، على سبيل المثال، وضعت هذه الرؤية في صلب خططها المستقبلية، حيث تسعى لتصبح وجهة عالمية للصحة والعافية عبر مبادرات متكاملة مثل “دبي وجهة صحية عالمية” التي تقدم تجارب عافية شاملة تجمع بين الوقاية والعلاج وتعزيز الصحة.
الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية
تركز خارطة الطريق على ضرورة بناء بنية تحتية اجتماعية قوية تمكّن الأفراد من العيش بكرامة، خصوصاً كبار السن. فالاستثمار في البنية التحتية ليس رفاهية، بل حاجة ملحة تدعم رفاهية الأفراد. من هنا، تأتي رؤية الإمارات كمثال حي على هذا الالتزام، حيث يجري العمل على مشاريع واسعة لدعم رفاهية المجتمع وتلبية احتياجات الفئات العمرية المختلفة، من خلال توفير مرافق طبية متطورة وخدمات دعم لكبار السن. وتعد مدينة الشارقة نموذجاً يُحتذى به، حيث تم اعتمادها كمدينة صديقة للمسنين، وتم تجهيزها بتسهيلات ومرافق تناسب هذه الفئة العمرية، مما يضمن لهم حياة مفعمة بالاستقلالية والاحترام.
نظم صحية مستدامة:
الوقاية من الأمراض المزمنة
تشير خارطة الطريق إلى أن تحقيق طول العمر الصحي لا يكون إلا من خلال أنظمة صحية مستدامة تركز على الوقاية والعناية المستمرة. الإمارات، بدورها، اعتمدت سياسات صحية ترتكز على الوقاية من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسكري، التي تعتبر من أكثر الأمراض شيوعاً في المنطقة. تهدف مبادرات مثل “مجتمع صحي وسعيد” إلى تحفيز الأفراد على اتباع نمط حياة صحي من خلال برامج شاملة تشمل النشاط البدني، والتغذية السليمة، والمراقبة الصحية.
ولعل أحد النماذج البارزة هو برنامج “حصانة” الذي يجري على مستوى الإمارات لتطعيم الأطفال وحمايتهم من الأمراض المعدية، وقد أثبت نجاحه في تعزيز مناعة المجتمع وتقليل انتشار الأمراض المعدية، مما يساهم في تحسين نوعية الحياة وطول العمر.
طول العمر المنتج:
دور العمل، التطوع، والتعليم مدى الحياة
لا يمكن تحقيق طول العمر الصحي دون تعزيز مفهوم العمر المنتج، حيث تتكامل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. تعزز الإمارات هذا المفهوم من خلال دعم العمل التطوعي وبرامج التعليم المستمر، التي تساعد الأفراد في جميع مراحل حياتهم على اكتساب مهارات جديدة وإثراء حياتهم. مثلا منصة “متطوعين.امارات” انطلقت لدعم وتعزيز العمل التطوعي، ولتوفر فرصاً للمشاركة المجتمعية، مما يعزز روح الانتماء والمسؤولية ويعود بالنفع على الصحة النفسية والبدنية.
قياس التقدم وتحقيق الأهداف الصحية
قدمت خارطة الطريق توصيات لقياس التقدم نحو تحقيق الصحة وطول العمر عبر مؤشرات محددة، مما يتيح للحكومات، بما في ذلك حكومة الإمارات، متابعة الجهود وتقييم الأداء بشكل دوري. وتُعد مبادرة “مجتمع صحي 2021” إحدى هذه الخطوات الرائدة، حيث تهدف إلى تحقيق الأهداف الصحية وفقاً لمعايير عالمية، وتعمل على جمع وتحليل البيانات لتطوير سياسات مبنية على الأدلة تعزز من رفاهية الأفراد.
طريق نحو مجتمع عالمي مزدهر
تضع خارطة الطريق العالمية للصحة وطول العمر خطوات شاملة لبناء مجتمع يُقدّر الصحة ويؤمن بأهمية العمل الجماعي. دولة الإمارات، التي تعتبر من الدول الرائدة في المبادرات الصحية من أجل تحسين جودة الحياة والرفاهية، تضع هذا الهدف في صميم سياساتها الوطنية، معززة مفهوم “الصحة وجودة الحياة وجهان لعملة واحدة هي الرفاهية “، مما يجعلها مثالاً يُحتذى به.
من خلال تبني رؤية إنسانية، تضمن الإمارات لمواطنيها والمقيمين حياةً مليئة بالصحة والسعادة، وتؤكد أن خارطة الطريق ليست مجرد وثيقة، بل دعوة للعالم بأسره لبناء مستقبل قائم على الصحة والتعاون.
اضافة
في يناير كانون الثاني عام 2016، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم استراتيجية الصحة في دبي2021 ، لتطوير الخدمات الصحية وترسيخ دبي كمحطة علاجية رئيسية في الدولة والمنطقة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
تقوم الاستراتيجية على أربعة محاور أساسية، ستة أهداف، 15 برنامجا و93 مبادرة، تم تعيينها لضمان بيئة صحية آمنة لسكان دبي، وتوفير نظام تقديم خدمات شامل ومتكامل ذو جودة عالية خاصة للمرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة، وتعزيز ثقافة الكشف المبكر، ورفع مستوى الوعي حول أهمية إجراء الفحوصات الدورية.