Connect with us

المنتدى الصحي

فعالية التكلفة في الرعاية الصحية:

حجر الأساس لاستدامة وتطوير القطاع الصحي 

د. بسام درويش 

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

تُعتبر فعالية التكلفة في الرعاية الصحية عنصرًا محوريًا لتحقيق أفضل قيمة من الموارد المحدودة في القطاع الصحي، مما يساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة حول التدخلات والإجراءات التي تحقق أفضل النتائج بأقل التكاليف. يوضح البروفيسور ميلتون وينشتاين، أستاذ السياسة الصحية بجامعة هارفارد، أهمية قياس تكلفة “سنة الحياة المعدلة حسب الجودة” (QALY) لكل تدخل طبي كوسيلة لضبط النفقات وتحسين فعالية إدارة الموارد.

 فعالية التكلفة: مفهوم وأهمية

يعتمد مفهوم فعالية التكلفة في الرعاية الصحية على مقارنة التكاليف والفوائد الصحية لكل تدخل. ويُعد التدخل فعّالاً من حيث التكلفة عندما تكون تكلفة سنة الحياة المعدلة حسب الجودة أقل من ثلاثة أضعاف دخل الفرد السنوي، أي حوالي 120,000 دولار في الولايات المتحدة، وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية (WHO). 

علاجات فعالة ذات تكاليف عالية

تُعد بعض العلاجات مكلفة لكنها فعّالة بشكل واضح. فعلى سبيل المثال، تُعتبر أجهزة إزالة الرجفان القلبي المزروعة فعّالة من حيث التكلفة للمرضى المصابين باضطرابات قلبية حرجة، إذ تسهم في تحسين جودة حياتهم بشكل ملحوظ. أما أدوية سرطان الثدي الحديثة مثل مثبطات الأروماتاز، ورغم تكلفتها العالية، فإنها توفر حياة إضافية للمريض بتكلفة تقدر بحوالي 20,000 دولار لكل سنة حياة مكتسبة، مما يجعلها استثمارًا صحيًا قيّمًا.

 التدخلات ذات العوائد المنخفضة

على النقيض، تظهر بعض الفحوصات الروتينية تكلفة مرتفعة بالنسبة للفوائد التي تحققها. فعلى سبيل المثال، يُعتبر إجراء مسحة عنق الرحم سنويًا مقارنة بإجرائها كل سنتين أقل فعالية، إذ تقدر تكلفتها بمليون دولار لكل سنة حياة مكتسبة بسبب الفائدة الصحية المحدودة. وهذا ما دفع الممارسات السريرية إلى تقليل تكرار هذه الفحوصات تدريجيًا.

 التفاوت في الأداء الصحي بين المناطق:

دراسة في تكساس

تشير الأبحاث إلى تفاوت ملحوظ في جودة الرعاية وتكاليفها بين المناطق. ففي عام 2006، كان متوسط الإنفاق الصحي للفرد في ماكالين، تكساس، يبلغ 15,000 دولار، وهو ضعف التكلفة في مدينة إل باسو المجاورة. ويعود ذلك إلى الإفراط في استخدام الإجراءات الطبية في ماكالين مقارنة بإل باسو، حيث أظهرت الأبحاث أن المناطق ذات الإنفاق العالي تعتمد بشكل أكبر على التدخلات غير الفعالة، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف دون فائدة صحية ملحوظة.

 مقارنة بين القطاعين الحكومي والخاص

فيما يتعلق بتبني فعالية التكلفة، يختلف القطاعان الحكومي والخاص في التركيز والأولويات التي يضعانها لتقديم الرعاية الصحية. يركز القطاع الحكومي بشكل أساسي على تحسين الصحة العامة وتعزيز العدالة الاجتماعية، حيث يسعى إلى توفير خدمات صحية شاملة وميسورة التكلفة للجميع، ويعتمد في تمويله على الميزانية الحكومية لتغطية التكاليف. على الجانب الآخر، يتمحور هدف القطاع الخاص حول تحقيق الأرباح وتلبية متطلبات السوق المتغيرة، مما يعني أن استراتيجياته قد تركز أكثر على جذب العملاء من خلال تقديم خدمات نوعية عالية الجودة.

فيما يخص إدارة التكلفة، يعتمد القطاع الحكومي غالبًا على حلول فعّالة من حيث التكلفة لتقليل النفقات التشغيلية واستدامة الخدمات الصحية في ظل الميزانية المتاحة. بينما يسعى القطاع الخاص إلى إدارة التكاليف بشكل استراتيجي بهدف تحقيق الربحية والابتكار، مما يجعله يميل إلى استثمار أكبر في التقنيات الحديثة لتقديم خدمات متطورة تضمن رضا العملاء وتزيد من تنافسيته في السوق.

أما من حيث الابتكار والكفاءة، يعتمد القطاع الحكومي على برامج وقائية موسعة تهدف إلى تقليل التكاليف العلاجية على المدى الطويل، حيث تسهم هذه البرامج في الحد من العبء المالي على النظام الصحي عن طريق تقليل الحاجة إلى العلاجات المكلفة. بالمقابل، يركز القطاع الخاص على استقطاب المرضى من خلال تحسين تجربة الرعاية الصحية، ويستثمر بشكل كبير في التقنيات المتقدمة التي تسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية وتقديم رعاية عالية الجودة تلبي توقعات المرضى.

عند النظر إلى تأثير كل من القطاعين على المرضى، نجد أن القطاع الحكومي يسعى إلى توفير خدمات شاملة تلبي احتياجات جميع شرائح المجتمع بأسعار معقولة، مما يساهم في تعزيز صحة المجتمع ككل. أما القطاع الخاص، فهو يركز على استهداف المرضى الذين يستطيعون تحمل تكاليف الخدمات النوعية، ويعزز تجربة المرضى بتقديم خدمات مخصصة تعكس الاهتمام بالتفاصيل والجودة العالية.

باختصار، بينما يهدف القطاع الحكومي إلى تحقيق الصحة العامة بعدالة وشمولية، يسعى القطاع الخاص إلى تعزيز تنافسيته عبر تقديم خدمات مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة، بحيث تجذب المرضى الراغبين في الحصول على رعاية صحية مميزة.

 التحديات المشتركة والفرص

– التحديات: تزداد الحاجة لتحسين جودة الرعاية الصحية وتقديم خدمات ميسورة التكلفة في ظل ارتفاع تكاليف الرعاية عالميًا بنسبة 4.5% سنويًا خلال العقد الماضي، ما يشكل تحديًا كبيرًا للأنظمة الصحية.

– الفرص: يبرز التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص كفرصة فعالة لخفض التكاليف وتحسين جودة الرعاية الصحية. فقد وجدت دراسة من “معهد براندون هول” أن الشراكات بين القطاعين يمكن أن تقلل التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 20% عند التركيز على برامج الوقاية وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

 توصيات لتعزيز فعالية التكلفة

1. تعزيز برامج الوقاية: يجب الاستثمار في البرامج الوقائية والتثقيف الصحي لتقليل تكاليف العلاج على المدى الطويل.

2. الاستفادة من التكنولوجيا: يوصى باستخدام الذكاء الاصطناعي والتحليلات الكبيرة لتحسين الكفاءة وتقليل الهدر.

3. الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص: التعاون بين القطاعين في مبادرات الوقاية يعزز من استدامة الخدمات ويزيد من فرص الوصول للرعاية الصحية.

4. التركيز على الرعاية الأولية: الاستثمار في مراكز الرعاية الأولية لتوفير خدمات صحية بتكلفة منخفضة تدعم فعالية التكلفة.

5. التدريب على إدارة التكلفة: تدريب العاملين في القطاع الصحي على الكفاءة في إدارة الموارد يعزز من فعالية التكلفة ويحسن جودة الخدمات.

نظام صحي شامل ومستدام

فعالية التكلفة هي عنصر رئيسي في استدامة وتطوير النظام الصحي. بتبني الوقاية، وتفعيل التكنولوجيا، وتعزيز الشراكات، يمكن بناء نظام صحي شامل ومستدام للجميع.

bassam@balsamhealthcare.com

المصادر:

World Health Organization. (2021). *Global spending on health: A world in transition.

Horton, R. (2020). “Public health in the 21st century: what role for the Lancet?” The Lancet, 395(10223).

Harvard T.H. Chan School of Public Health. (2019). Reducing Healthcare Costs: The Role of Preventive Medicine.

Continue Reading

مقالات شائعة