الواحة الطبية

فهم الروابط العاطفية المؤذية:

 استراتيجيات للتغلب على التعلق الناتج عن الصدمة

د.بسام درويش

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

تُعتبر العلاقات الإنسانية من أعقد ما يتعامل معه الإنسان في حياته. بعضها مليء بالحب والدعم، والبعض الآخر قد يبدو كذلك من الخارج، لكنه يخفي في طياته سلاسل عاطفية تحبس الطرف الأضعف في علاقة مليئة بالألم والتحكم، علاقات قوية سرعان ما تتهشم على صخرة الواقع ، والواقع قد يكون ظرفاً زمانيا أو مكانيا أو خارج عن الحدود.

هذه الظاهرة تُعرف باسم الروابط الناتجة عن الصدمة، وهي ظاهرة نفسية معقدة تتشكل عندما يرتبط شخص ما عاطفيًا بشخص يمارس السيطرة عليه من خلال التلاعب والعنف النفسي.

ما هو التعلق الناتج عن الصدمة؟

التعلق الناتج عن الصدمة يُشير إلى الارتباط العاطفي المعقد الذي ينشأ بين الضحية والمعتدي، حيث تتعزز العلاقة من خلال دورات متكررة من العنف والإساءة، تليها فترات من الاهتمام والحنان المفرط. هذه الدورات المتكررة تجعل الضحية أسيرًا عاطفيًا، غير قادر على الهروب من العلاقة السامة بسبب الأمل في التغيير أو الاعتقاد بأن المعتدي يمكنه التحسن.

يتمتع التعلق الناتج عن الصدمة بجذور عميقة في التجارب السابقة والتاريخ الشخصي للفرد، خصوصًا إذا كان قد نشأ في بيئة مليئة بالفوضى العاطفية والاعتداءات النفسية. يمكن أن تشمل الأعراض الشائعة لهذه الروابط شعور الضحية بالدونية، وفقدان الثقة بالنفس، والشعور المستمر بعدم الأمان والخوف من الهجر.

 علامات وأعراض

يجب الانتباه إلى عدة علامات قد تدل على وجود رابط ناتج عن الصدمة في علاقة ما. بعض هذه العلامات تشمل:

1. التقليل من الذات وفقدان القيمة الشخصية: المعتدي يستخدم التحقير والاستخفاف المستمر لخفض قيمة الضحية.

2. التحكم المفرط: المعتدي يفرض سيطرته على قرارات الضحية، حياتها اليومية، وعلاقاتها الاجتماعية.

3. التلاعب بالعواطف والواقع: المعتدي قد يمارس التلاعب العاطفي أو ما يُعرف بـ”الغازلايتينغ”، حيث يجعل الضحية تشكك في واقعها وذاكرتها.

4. انعدام الأمان: الضحية تشعر بالخوف المستمر من إثارة غضب المعتدي أو فقدان العلاقة.

5. دورات من العنف والمصالحة: المعتدي يمر بفترات عنف تليها فترات من الحب والاهتمام المفرط، مما يجعل الضحية تشعر بالارتباك والاعتماد العاطفي.

 مراحل التعلق الناتج عن الصدمة

العلاقات المبنية على التعلق الناتج عن الصدمة تمر عادةً بعدة مراحل، تبدأ بـ”قصف الحب” أو Love Bombing، حيث يغمر المعتدي الضحية بالاهتمام والهدايا، لزرع الثقة وبناء الاعتماد العاطفي. مع مرور الوقت، يتحول هذا السلوك إلى انتقادات مستمرة، تلاعب، وعنف نفسي. في النهاية، يصل الضحية إلى مرحلة الاستسلام، حيث يصبح كل واحد منهما غير قادر على الهروب من العلاقة بسبب فقدانه للهوية الذاتية والإحساس بالاعتماد الكامل على المعتدي.

 كيف نكسر دائرة التعلق الناتج عن الصدمة؟

التعافي من التعلق الناتج عن الصدمة هو عملية طويلة ومعقدة، لكنها ممكنة. فيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في التغلب على هذه الروابط العاطفية:

1. الوعي بالواقع: أول خطوة هي التعرف على ديناميكية العلاقة السامة والاعتراف بأن العلاقة غير صحية.

2. إعادة بناء الهوية الشخصية: من خلال تعزيز الثقة بالنفس واستعادة الهوية الذاتية، يمكن للضحية أن تتعلم كيف تحب نفسها وتحترم قيمتها.

3. تطوير مهارات التحديد العاطفي: من خلال تطوير مهارات تحديد المشاعر الداخلية وفهم الحاجات الشخصية، يمكن للضحية الابتعاد عن الاعتماد العاطفي على الآخرين.

4. إنشاء حدود صحية: تعلم كيفية وضع حدود واضحة وصارمة في العلاقات المستقبلية، وذلك للحفاظ على الصحة العاطفية والنفسية.

5. طلب الدعم: الانخراط في علاج نفسي أو الانضمام إلى مجموعات دعم يمكن أن يوفر للضحية القوة التي تحتاجها للتعافي والابتعاد عن العلاقة السامة.

 أهمية التعاطف الذاتي

جزء أساسي من التعافي هو تعلم ممارسة التعاطف الذاتي. غالبًا ما تكون الضحية قد فقدت الشعور بقيمتها الذاتية بسبب الإساءة المستمرة، ولهذا يكون من الضروري أن تتعلم كيفية التعامل مع نفسها بلطف ورعاية. تمارين مثل الكتابة الذاتية بشفقة، واستخدام العبارات التحفيزية اليومية، يمكن أن تساعد في إعادة بناء الثقة بالنفس.

الأمل ليس مفقودًا

التعلق الناتج عن الصدمة هو رحلة عاطفية مليئة بالتحديات، لكنها ليست نهاية المطاف. مع الوعي والدعم المناسب، يمكن للفرد أن يتغلب على هذه الروابط المؤذية ويستعيد حياته. يتطلب الأمر قوة داخلية ورغبة حقيقية في التغيير، لكن التعافي ممكن، والعلاقات الصحية والسعيدة قابلة للتحقيق.

الأمل ليس مفقودًا. وكما تُظهر القصص العاطفية الخيالية، الحب قد يغير الواقع، ولكن في الحقيقة، الحب الذي يغيرنا للأفضل يبدأ دائمًا من داخلنا.

bassam@balsamhealthcare.com

المصادر:

Copley, L. A. (2023). Loving you is hurting me: A new approach to healing trauma bonds and creating authentic connection.

 Hachette Book Group. Dokkedahl, S., Kok, R. N., Murphy, S., & Stenager, E. (2019).

https://www.psychotherapynetworker.org/article/how-to-know-its-narcissistic-abuse/ Durvasula, R. (2024).

مقالات شائعة

Exit mobile version