المنتدى الصحي

التدخين أم أعقاب السجائر؟

معالجة السبب بدلاً من التركيز على العرض

د. بسام درويش 

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

لفت نظري مؤخرًا الإعلان عن مبادرة مخصصة للتوعية بمخاطر رمي أعقاب السجائر على البيئة التي تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة التي تضر بصحة وسلامة البيئة. المبادرة تسلط الضوء على الأثر البيئي السلبي لرمي أعقاب السجائر العشوائي، مشيرة إلى أنه في كل ثانية تُرمى عشرات الآلاف من أعقاب السجائر حول العالم، وأن هذه الأعقاب قد تستغرق ما بين 3 أشهر إلى 15 عامًا لتتحلل تمامًا، مما يسهم في التلوث البلاستيكي الذي يهدد كوكبنا. وتشير تقديرات المبادرة إلى أنه في غضون 10 سنوات قد يزيد عدد أعقاب السجائر في المحيطات عن عدد الأسماك.

ورغم أن المبادرات البيئية مثل هذه خطوة إيجابية، إلا أنه لا يسعني إلا أن أطرح سؤالاً جوهريًا: أليس من الأفضل أن نعالج السبب الجذري لهذه المشكلة بدلًا من التعامل فقط مع العرض؟

 التدخين هو السبب الرئيسي

لقد أثبتت الدراسات منذ عقود أن التدخين يمثل خطرًا كبيرًا ليس فقط على صحة المدخنين أنفسهم، بل على المجتمع والبيئة بشكل عام. فالسجائر ليست مجرد مشكلة بيئية بسبب الأعقاب التي يخلفها المدخنون، بل هي أيضًا مشكلة صحية تؤدي إلى أمراض قاتلة مثل سرطان الرئة وأمراض القلب.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا تقتصر أضرار التبغ على صحة الأفراد، بل تمتد إلى البيئة بأكملها. فتُشير المنظمة إلى أن “زراعة التبغ وتصنيعه وتدخينه تسمم مياهنا وتربتنا وشواطئنا وشوارع مدننا بكيماويات ونفايات سامة”. إن نفايات التبغ والسجائر الإلكترونية تسهم في تلويث الهواء والمياه، كما تلوث الحياة البحرية وتسد الممرات المائية. أضف إلى ذلك أن أعقاب السجائر تُعد من أكثر النفايات البلاستيكية شيوعًا وتساهم في تلويث البحار والمحيطات.

 المبادرة جيدة، ولكن الحل الجذري مفقود

تسعى المبادرة إلى نشر الوعي حول مشكلة أعقاب السجائر وتقديم معلومات حول كيفية الحد منها. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه المبادرة تحل المشكلة الفعلية أم تعالج فقط جزءًا صغيرًا منها؟

إن الحل الأعمق هو تقليل عدد المدخنين بشكل تدريجي حتى يصل الى المرحلة الصفرية . كلما قل عدد المدخنين، قلّ عدد الأعقاب الملقاة في الشوارع والمحيطات، مما سيساهم في الحفاظ على البيئة بشكل أعمق وأكثر استدامة.

 التحول من المعالجة البيئية إلى التوعية الصحية

إذا كنا جادين في حماية البيئة من آثار أعقاب السجائر، يجب أن نركز على معالجة التدخين نفسه. بدلاً من توجيه الجهود بالكامل نحو تنظيف الشوارع والمحيطات من أعقاب السجائر، يجب أن يتم توجيه جزء كبير من هذه الموارد إلى حملات توعية للمدخنين وغير المدخنين حول مخاطر التدخين، وكيفية الإقلاع عنه.

إن معالجة مشكلة رمي أعقاب السجائر خطوة إيجابية، ولكن الحل الجذري يكمن في مكافحة التدخين نفسه. لا يمكن أن نصل إلى بيئة نظيفة وصحية ما لم نقلل من عدد المدخنين ونعمل على توعية الأفراد بأضرار التدخين على صحتهم وصحة البيئة من حولهم.

1. تعزيز برامج مكافحة التدخين: يمكن تعزيز الحملات التوعوية التي تستهدف المدخنين وتحفزهم على الإقلاع عن التدخين. كما يجب أن تترافق هذه الحملات مع دعم حقيقي لمساعدة المدخنين في التخلص من هذه العادة الضارة.

2. التشديد على قوانين التدخين: يجب أن تتخذ الدول خطوات أكثر حزمًا للحد من التدخين في الأماكن العامة، ووضع قوانين صارمة ضد إلقاء أعقاب السجائر في الشوارع والأماكن الطبيعية.

3. تشجيع الابتكار في صناعة المنتجات: على الشركات المنتجة للسجائر أن تسعى لتطوير منتجات أقل ضررًا بالبيئة، مثل استخدام مواد قابلة للتحلل البيولوجي في تصنيع الفلاتر. فعلى الرغم من أن التدخين مشكلة مستمرة منذ عقود، يمكن للصناعة أن تلعب دورًا أكبر في تقليل أضرارها البيئية.

ويبقى السؤال: هل يمكن للشركات المنتجة للتبغ أن تدعم حملات صحية أو تدعم أبحاثًا لتحسين الصحة العامة والبيئة؟

وأين الدور المحوري لمنظمة الصحة العالمية في هذا المجال؟

اثر حقيقي ومستدام

بينما تعد مثل هذه المبادرات البيئية خطوة إيجابية، إلا أنها تظل معالجة للعرض وليس للسبب. إذا أردنا إحداث تأثير حقيقي ومستدام، يجب أن نركز على الحد من التدخين نفسه من خلال توعية المجتمعات بمخاطره الصحية والبيئية. فعندما نتعامل مع السبب، سنتمكن من تقليل العرض بشكل طبيعي ومستدام، مما سيسهم في تحسين صحة الإنسان وحماية بيئتنا في آن واحد.

bassam@balsamhealthcare.com

مقالات شائعة

Exit mobile version