المنتدى الصحي

الثقافة المؤسسية تعزز رفاه الموظفين

تأثيرها إيجابي على الصحة الجسدية والنفسية والعافية 

بقلم: د. بسام درويش 

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي 

في بيئة العمل الحديثة، أصبحت رفاهية الموظفين عنصراً حاسماً في نجاح المؤسسات. لم يعد الاهتمام برفاهية الموظف مجرد ترف أو شعار يعلق على الجدران، بل أصبح ضرورة استراتيجية تؤثر بشكل مباشر على الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وتسهم في تعزيز إنتاجية الموظفين وثقافة العمل الإيجابية.

 تعزيز الثقافة المؤسسية للرفاه الوظيفي

الثقافة المؤسسية لا تقتصر فقط على قيم المؤسسة المكتوبة أو الشعارات التي يراها الموظفون يوميًا، بل تمثل خريطة طريق لتعزيز العمل بروح الفريق والالتزام بصحة الموظفين الشاملة. هذه الثقافة تعزز من شعور الموظفين بالانتماء والاحترام، مما يقلل من التوتر النفسي والاجتماعات المتكررة التي لا تنتهي، ويوفر بيئة عمل ممتعة وجاذبة تسهم في رفع الأداء والإبداع.

تشير العديد من الدراسات إلى أهمية هذه الثقافة. في دراسة نشرت في Journal of Occupational Health Psychology، تم التأكيد على أن بيئات العمل التي تدعم رفاهية الموظفين تقلل من مستويات الإجهاد وتحسن من نوعية حياة الموظفين، كما تزيد من إنتاجيتهم. وفي دراسة أخرى نشرت في Harvard Business Review، تبين أن المؤسسات التي تستثمر في رفاهية موظفيها تشهد انخفاضًا في نسب التغيب عن العمل بنسبة تصل إلى 25%، وزيادة في الإنتاجية تصل إلى 30%.

 الاهتمام برفاه الموظفين له تأثير جوهري على صحتهم الجسدية والنفسية. المؤسسات التي تضع صحة موظفيها في مقدمة أولوياتها توفر بيئات عمل تشجع على ممارسات صحية، مثل تحسين الجوانب الإرغونومية (Ergonomics) في مكاتب العمل لتقليل الضغط البدني وتحسين وضعيات الجلوس. هذه المبادرات تساعد على تقليل معدلات الإصابة بالأمراض المهنية الشائعة مثل آلام الظهر، وآلام الرقبة، والإجهاد العيني الذي ينتج عن ساعات طويلة من استخدام الحاسوب. فعلى سبيل المثال، العديد من الشركات الكبرى مثل Google وMicrosoft قامت بتطبيق برامج تحسين الإرغونومية وتوفير استراحات منتظمة للحركة، ما أسهم في تقليل الشكاوى المرتبطة بالإجهاد البدني وزيادة مستويات الراحة لدى الموظفين.

من الناحية النفسية، فإن دعم الصحة النفسية يعد عنصرًا حاسمًا في تعزيز رفاه الموظفين. المؤسسات التي توفر برامج لدعم الصحة النفسية، مثل جلسات الاستشارة النفسية، أو ورش العمل حول إدارة الضغط والتوازن بين العمل والحياة، تسهم بشكل كبير في تقليل معدلات القلق والاكتئاب بين الموظفين. مثال على ذلك، شركات مثل Salesforce وDeloitte تقدم برامج للصحة النفسية تتضمن استشارات فردية ودعمًا جماعيًا، وقد أدى ذلك إلى تحسينات ملحوظة في مستويات الرضا الوظيفي والشعور بالانتماء.

وفقًا لدراسة نشرتها American Psychological Association، الشركات التي تقدم برامج دعم للصحة النفسية تشهد انخفاضًا بنسبة تصل إلى 30% في معدلات التغيب عن العمل، كما تسجل زيادة في إنتاجية الموظفين وتحسين الأداء العام. في إحدى الدراسات التي أجرتها Harvard Business Review، تبيّن أن الشركات التي تركز على رفاهية موظفيها تقلل من معدلات الإرهاق الوظيفي بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بتلك التي لا تهتم بهذا الجانب.

إن الرفاه الجسدي والنفسي مرتبط بشكل وثيق بإنتاجية الموظفين وقدرتهم على التعامل مع تحديات العمل بشكل أكثر فاعلية. المؤسسات التي تدمج سياسات رفاه الموظفين الشاملة تحقق ليس فقط تحسنًا في صحة موظفيها، بل أيضًا في سمعتها وجاذبيتها كبيئة عمل إيجابية وجاذبة للمواهب. دور القيادة في تعزيز الرفاه الوظيفي

في هذا السياق، تنبثق رؤية سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، من التزامه بالارتقاء بمنظومة العمل الحكومي من خلال تعزيز رفاهية الموظفين. فقد أشار سموه إلى أن “الارتقاء بقدرات منظومة العمل الحكومي يشكل إحدى أولويات العمل خلال المرحلة المقبلة”، مؤكدًا أن رفاه الموظفين وتوفير بيئات عمل مرنة تعزز من سعادة الموظفين وتساهم في تحقيق رؤية دولة الإمارات.

 الرفاه الشامل: جسديًا، نفسيًا، واجتماعيًا

الرفاه الشامل لا يقتصر فقط على الجوانب الجسدية والنفسية، بل يمتد إلى العافية الاجتماعية والمهنية. الموظفون الذين يشعرون بأنهم جزء من بيئة عمل داعمة، حيث تحترم آراؤهم ويسهمون في تحقيق الأهداف المشتركة، يحققون مستويات أعلى من الرضا الوظيفي والعافية الاجتماعية.

رؤية سمو الشيخ حمدان تتكامل مع رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي يؤكد دائمًا على أن “الإنسان هو محور التنمية”. فالاستثمار في رفاه الموظف ليس مجرد استثمار في الفرد، بل هو استثمار في المؤسسة بأكملها وفي المجتمع.

الصحة المستدامة والتميز في العمل

التركيز على رفاه الموظفين ليس مجرد ترف، بل هو عنصر أساسي لتحقيق النجاح والاستدامة. المؤسسات التي تعزز ثقافة الرفاه الشاملة تسهم في تحسين الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية للموظفين، مما يؤدي إلى تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية في السوق. لهذا، فإن بناء ثقافة مؤسسية تدعم رفاه الموظفين يمثل خطوة استراتيجية نحو مستقبل أفضل للجميع.

bassam@balsamhealthcare.com

مقالات شائعة

Exit mobile version