المنتدى الصحي

الوقاية أولاً

د.بسام درويش

مستشار في الإعلام الصحي وتعزيز الصحة

كلفة المرض باهظة جداً ، وكلفة الوقاية منه زهيدة جداً ، مقولة أرددها يومياً من خلال برنامج بلسم لتعزيز الصحة على إذاعة نور دبي ، وهي مقولة قديمة متجددة دوماً . ويبقى السؤال ” لم نصرف المبالغ الباهظة جداً على العلاج ، ولا نخصص الميزانيات الكافية البسيطة – مقارنة بتلك المخصصة للعلاج – من أجل الوقاية المبنية على دراسات محلية ، وفق استراتيجية وقائية شاملة ومتكاملة ، مع التركيز هنا على مقولة أخرى أرددها يومياً بأن ” مسؤولية الصحة ليست مسؤولية وزارة الصحة ووقاية المجتمع ، وبقية المؤسسات الصحية ، بل هي مسؤولية الجميع من مؤسسات حكومية ، إلى جمعيات خيرية ، إلى مؤسسات إعلامية ، وتربوية ورياضية وغيرها ، بما في ذلك مسؤولية الأفراد ، فالصحة للجميع ومن خلال الجميع .

كم الكلفة ؟

وفق دراسة تم نشرها في مجلة ” لانست الطبية ” تبيّن أن ما يقرب من نصف جميع الأعباء الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية يعزى إلى قائمة مكونة من 84 عامل خطر قابل للتعديل. وعلى الصعيد العالمي، من المقبول عموما أيضا أن ربع جميع الوفيات، أو ربما ما يصل إلى نصفها، يندرج في فئة الوفيات التي يمكن الوقاية منها

وتشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة الامريكية تنفق 16.9 % من ناتجها المحلي على خدمات الرعاية الصحية ، أي ضعف ما تنفقه المؤسسات الاقتصادية على التنمية التي تبلغ 8.8% .

ووفق الدراسة بلغت كلفة الأمراض التي يمكن الوقاية منها 730.4 مليار دولار سنة 2016 ، وهي تزيد عن الناتج المجلي الإجمالي لـ 171 دولة في العالم أو الناتج المحلي الإجمالي لـ 17 دولة غنية في العالم سنة 2019 .

هذه الدراسة لا تثير الانتباه فقط إلى الكلفة الباهظة جداً للمرض ، بل إلى أن هذه الحقائق بتنا نقبلها منذ سنوات طويلة ، وما زلنا نفكر في بناء المستشفيات العلاجية ، ولا نسعى إلى بناء نظام صحي يعتمد بشكل أساسي على الوقاية من الأمراض ، وإدارة الأمراض بالشكل الصحيح ،  وبناء مراكز رعاية صحية في بقع جغرافية متعددة بما في ذلك في المناطق النائية .

دمج التثقيف الصحي في المناهج التدريسية

يساعد دمج التثقيف الصحي في المناهج التدريسية منذ الصغر في ترسيخ مفهوم الوقاية ، ونمط الحياة الصحي ، من غسل اليدين بالماء والصابون بالطريقة البسيطة ، إلى تنظيف الأسنان والفم بالطريقة الصحيحة ، إلى ممارسة الرياضة بشكل يومي ، وتشجيع الحركة إلى غير ذلك من المفاهيم التي تصبح أسلوب حياة منذ الصغر.

ولن ننسى ضرورة تعليم الفتيات كيفية الفحص الذاتي الشهري ، وكيفية التعرف إلى ما هو غير طبيعي من أجل مراجعة الطبيب دون تأخير ، مع معرفة عوامل الخطر التي تؤدي للإصابة بسرطان الثدي الذي يصيب سيدة واحدة من بين كل ثمان سيدات . ومثل هذه المادة يمكن أن تكون عملية و بوسائل جذابة ، بدلاً من الانتظار لسن الأربعين مثلاً حتى نجري الفحص بالماموغرام وغيره ، لنكتشف أن المرض قد تطور .

التعليم الطبي

من المفيد جداً تطوير المناهج التعلمية في كليات الطب التي تركز على العلاج أولاً ، وليس الوقاية أولاً ، والعمل على التركيز على المريض أو الفرد باعتباره أساس التطوير في خدمات الرعاية الصحية .

مع ضرورة تقييم التعليم الطبي المستمر ، وهل فعلاً يحقق المطلوب للأطباء بعد تخرجهم من كليات الطب المختلفة ، ويمارسون المهنة وفق الطب القائم على البرهان والأدلة العلمية أم وفق تجربة الصح والخطأ ، و تخفيف العرض مع الإبقاء على المرض ، إذ أن العلاج يجب ألا يقتصر على تخفيف العرض ، بل على معرفة السبب الذي أذى لهذا العرض ، فالمعالجة سببية وليست عرضية .

دروس مستفادة

لقد أثبتت جائحة كورونا وأخواتها أن ” الصحة ثروة لا تقدر بثمن ” ، و أن المعرفة أساس التوعية ، والتوعية هي الخطوة الأولى للوقاية من أخطر الأمراض والسيطرة عليها ، ومنع حدوث مضاعفاتها ، خصوصاً أن كلفة المرض باهظة جداً ، ولا تقتصر فقط على كلفة الفاتورة التشخيصية والعلاجية ، بل يضاف لها كلفة التغيب عن العمل ، وقلة الإنتاجية ، والعجز وتأثير المرض على جودة الحياة .

إضافة إلى ذلك ، المبالغ الباهظة التي تصرف على الخدمات العلاجية ، يمكن الاستفادة منها في التنمية البشرية وغير ذلك بما يعود بالنفع على المجتمع ككل وعلى رفاهيته .

 وكما نعلم ، تتطلب بعض الأمراض ، خاصة الحالات المرضية المزمنة ، رعاية وإدارة طويلة الأجل، لهذا يمكن أن تساعد التدابير الوقائية التي تركز على الكشف المبكر وتعديلات نمط الحياة وإدارة الأمراض في تأخير أو منع تطور الأمراض المزمنة ، مما يقلل من الحاجة إلى رعاية طويلة الأجل مكلفة.

جودة الحياة

 تؤثر الأمراض بشكل كبير على نوعية حياة الأفراد وأسرهم. لهذا تهدف التدابير الوقائية إلى تحسين الصحة العامة والرفاه ، والحد من الخسائر الجسدية والعاطفية والمالية التي يمكن أن تحدثها الأمراض على الأفراد والمجتمع.

عبء على نظام الرعاية الصحية

تساعد التدابير الوقائية في تخفيف العبء الكبير على النظام الصحي عن طريق تقليل الطلب على خدمات الرعاية الصحية ، وتحرير الموارد لتخصيصها بشكل أكثر فعالية وكفاءة.

يمتد الأثر الاقتصادي للأمراض إلى ما هو أبعد من تكاليف الرعاية الصحية وفقدان الإنتاجية. ويشمل عوامل مثل انخفاض النمو الاقتصادي ، وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية ، والعبء على أنظمة الرعاية الاجتماعية.

لهذا تلعب الوقاية دورا حاسما في الحد من هذه الآثار الاقتصادية عن طريق الحد من انتشار الأمراض وشدتها.

العائد على الاستثمار

يحقق الاستثمار في الوقاية عوائد كبيرة على الاستثمار.، إذ أظهرت الدراسات أن التدابير الوقائية غالبا ما يكون لها نسبة إيجابية من حيث التكلفة إلى الفعالية ، مما يعني أن الفوائد تفوق التكاليف. من خلال التركيز على الوقاية ، يمكن لأنظمة ومجتمعات الرعاية الصحية تحقيق نتائج صحية أفضل مع تقليل نفقات الرعاية الصحية على المدى الطويل.

عموماً، تؤدي التدابير الوقائية دوراً حيوياً في خفض التكاليف المرتبطة بالأمراض. من خلال تعزيز الصحة والكشف المبكر وإدارة الأمراض، فإن جهود الوقاية تنقذ الأرواح وتحسّن نوعية الحياة وتقلّل العبء الاقتصادي على الأفراد وأنظمة الرعاية الصحية والمجتمع ككل.

للتواصل :

bassam@healthinarabic.com

المصدر:

The cost of preventable disease in the USA – The Lancet Public Health

مقالات شائعة

Exit mobile version