المنتدى الصحي

تكامل الوقاية وتعزيز الصحة وحماية المجتمع لتحقيق استدامة صحية

د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

تعتبر الصحة العامة مسؤولية الجميع، والصحة للجميع ومن خلال الجميع ، وتحقيق الرفاهية المجتمعية يتطلب تكامل العناصر الأساسية للصحة العامة من أجل مجتمع يتمتع بالصحة والقوة والقدرة على مواجهة التحديات الصحية.
ولأن الصحة نعمة، والمعرفة قوة، والالتزام واجب وطني، أطلقنا قبل جائحة كورونا مبادرة “صحتي ثروة لوطني” بهدف ترسيخ الوعي بأن الصحة العامة هي أحد أساسيات استدامة الوطن، ولتوجيه الجهود نحو تحقيق تكامل الأبعاد الثلاثة للصحة العامة: الوقاية من الأمراض، تعزيز الصحة، وحماية المجتمع.
أهمية تكامل الأبعاد الثلاثة للصحة العامة
الوقاية من الأمراض، وتعزيز الصحة، وحماية المجتمع تمثل أركاناً أساسية لبناء مجتمع صحي وقادر على مواجهة الأزمات. فحين تتكامل هذه الأبعاد، يمكن تحقيق نقلة نوعية في الحفاظ على الصحة العامة وتحقيق استدامة صحية للمجتمع. هذه الأبعاد لا تعمل بشكل منفصل؛ بل تكمّل بعضها البعض لتحقيق نتائج أفضل وتحسين نوعية الحياة، حيث أن كل بُعد منها يساهم في تخفيف العبء الصحي على الأفراد والأنظمة الصحية.

  1. الوقاية من الأمراض: حجر الأساس لصحة مستدامة
    الوقاية من الأمراض هي الخطوة الأولى لضمان صحة مستدامة، حيث تهدف إلى منع انتشار الأمراض والحد من تأثيراتها من خلال استراتيجيات استباقية تقلل من خطر الإصابة. تنقسم الوقاية إلى ثلاث مستويات:
  • الوقاية الأولية: تسعى إلى منع الإصابة بالأمراض من خلال التدخلات الوقائية، مثل برامج التطعيم ضد الأمراض المعدية كالحصبة وشلل الأطفال. أظهرت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) أن برامج التطعيم قللت انتشار الحصبة بنسبة 95% في الولايات المتحدة.
  • الوقاية الثانوية: تركز على الكشف المبكر عن الأمراض للحد من تطورها، كما هو الحال في برامج الفحص المبكر لسرطان الثدي وأمراض القلب. في المملكة المتحدة، أوضحت دراسة أن الفحص المبكر لسرطان الثدي ساهم في تقليل معدل الوفيات بنسبة 20% بين النساء.
  • الوقاية الثلاثية: تركز على تقليل المضاعفات الناتجة عن الأمراض القائمة، مثل برامج إدارة السكري التي تساعد المرضى في تحسين جودة حياتهم والتحكم بمضاعفات المرض من خلال الغذاء الصحي والرياضة.
  1. تعزيز الصحة: دعم السلوكيات الصحية لتحقيق الرفاهية
    يعد تعزيز الصحة جزءاً رئيسياً من تحسين حياة الأفراد وتشجيعهم على تبني سلوكيات صحية تقلل من خطر الأمراض المزمنة. تشمل مبادرات تعزيز الصحة برامج توعية وتثقيف تهدف إلى تشجيع الأنماط الصحية في الحياة.
  • التثقيف الصحي: يساهم في تمكين الأفراد من اتخاذ قرارات صحية واعية، مثل حملة “5 في اليوم” في الولايات المتحدة، التي شجعت الناس على تناول خمس حصص من الفواكه والخضروات يوميًا، مما أدى إلى زيادة الاستهلاك بنسبة 15%.
  • تشجيع النشاط البدني: تظهر الدراسات أن ممارسة 150 دقيقة من الرياضة أسبوعيًا يقلل خطر الأمراض المزمنة بنسبة تصل إلى 30%. مثال على هذا تحدي دبي للياقة، حيث أطلق الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم حملة لتشجيع ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يوميًا لمدة 30 يومًا، وساهمت الحملة في رفع الوعي حول أهمية اللياقة.
  1. حماية المجتمع: درع الوقاية من المخاطر البيئية والأمراض المعدية
    تتمثل حماية المجتمع في التدخلات الوقائية لحماية السكان من المخاطر الصحية المحتملة، سواء كانت بيئية أو معدية. ويشمل ذلك السياسات الرقابية وإجراءات المراقبة المستمرة لضمان الحفاظ على سلامة المجتمع وصحته.
  • التلوث البيئي: تشير منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن تحسين جودة الهواء يمكن أن يقلل الوفيات المرتبطة بالتلوث بنسبة 15%. تمثل الجهود البيئية كجزء من استراتيجيات حماية المجتمع للحد من آثار التلوث الضارة على الصحة.
  • مكافحة الأمراض المعدية: تتضمن حماية المجتمع التدابير اللازمة للسيطرة على الأمراض المعدية والحد من انتشارها، كما تم في مواجهة جائحة كوفيد-19 من خلال إجراءات الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، واستخدام الكمامات. ساعدت هذه التدابير في تقليل انتشار الفيروس عالميًا، حيث أثبتت الدراسات أن الاستجابة السريعة تؤدي إلى تقليل تفشي الأوبئة بشكل كبير.
    الأمثلة العالمية على تكامل الأبعاد الثلاثة
    تكامل الأبعاد الثلاثة للصحة العامة يعد أمراً أساسياً لتطوير أنظمة صحية فعالة وقادرة على مواجهة التحديات. فيما يلي بعض الأمثلة العالمية الناجحة في تطبيق هذا التكامل:
    فنلندا: الوقاية من الأمراض المزمنة
    أطلقت فنلندا برنامج “نورث كاريليا” في السبعينيات لمكافحة أمراض القلب، ونجح البرنامج بفضل التعاون المجتمعي وتقديم التوعية الصحية حول التغذية والرياضة. أدى البرنامج إلى انخفاض في معدل الوفيات الناتجة عن أمراض القلب بنسبة 80%.
    اليابان: تعزيز الصحة من خلال “المشي 10,000 خطوة”
    نفذت اليابان حملة لتعزيز اللياقة البدنية تشجع على المشي 10,000 خطوة يوميًا. أسهمت هذه المبادرة في رفع مستويات اللياقة وتقليل معدلات السمنة وأمراض القلب، حيث أصبح المشي جزءًا من الروتين اليومي للسكان.
    أستراليا: حماية المجتمع من التدخين
    طبقت أستراليا قوانين صارمة للحد من التدخين، كرفع الضرائب والتوعية بأضراره. وقد أدى ذلك إلى انخفاض ملحوظ في معدل التدخين بين البالغين، حيث وصلت نسبة المدخنين إلى حوالي 13% في عام 2020.
    أوغندا: الوقاية من فيروس نقص المناعة المكتسب (HIV)
    في التسعينيات، أطلقت أوغندا برنامجًا للحد من انتشار فيروس HIV، شمل التوعية المجتمعية والفحوصات المبكرة. وقد أسهم البرنامج في تقليل الإصابة بفيروس HIV بنسبة تتجاوز 50%.
    كندا: تعزيز الصحة النفسية
    استجابة لارتفاع حالات الاكتئاب، أطلقت كندا برامج للصحة النفسية تشمل حملات توعية ودعم للمبادرات المجتمعية. وقد ساهمت هذه البرامج في رفع الوعي بالصحة النفسية وتخفيف الوصمة المرتبطة بها.
    الاتحاد الأوروبي: حماية المجتمع من التلوث البيئي
    اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات صارمة لتحسين جودة الهواء من خلال تقليل الانبعاثات الضارة وتحفيز استخدام الطاقة النظيفة. ونتيجة لذلك، شهدت المدن الأوروبية انخفاضًا في الأمراض التنفسية وتحسناً في جودة الهواء.
    تكامل الأبعاد الثلاثة: الوقاية، وتعزيز الصحة، وحماية المجتمع
    يُظهر تكامل الأبعاد الثلاثة للصحة العامة، عبر الوقاية، وتعزيز الصحة، وحماية المجتمع، قدرة كبيرة على تحقيق نتائج صحية مستدامة. فمثال السمنة، الذي يعتبر مشكلة صحية عالمية، يمكن الحد منه بتكامل هذه الأبعاد الثلاثة:
  1. الوقاية من السمنة: يتم تقليل خطر الإصابة بالسمنة عبر برامج توعوية حول التغذية الصحية والنشاط البدني. كشفت دراسة أسترالية أن برامج التثقيف ساعدت في خفض معدل السمنة بين الأطفال بنسبة 10%.
  2. تعزيز الصحة لمنع تفاقم السمنة: تشمل هذه الاستراتيجية تقديم دعم للأفراد المصابين بالسمنة لتبني نمط حياة صحي. فعلى سبيل المثال، تدعم وزارة الصحة السعودية حملة “اختر الصحة” التي تشجع على تحسين التغذية وزيادة النشاط البدني.
  3. حماية المجتمع من التأثيرات الصحية للسمنة: تتطلب مكافحة السمنة تخصيص موارد للرعاية الصحية الوقائية، حيث تدعم السعودية برامج للوقاية وتخفيف العبء المالي والصحي على النظام.
    تمثل الأبعاد الثلاثة للصحة العامة—الوقاية، وتعزيز الصحة، وحماية المجتمع—أساساً لتحقيق مجتمع صحي ومستدام، يسهم في تقليل العبء الصحي على النظام الصحي ويحسن من جودة حياة الأفراد. ومن خلال مبادرة “صحتي ثروة لوطني”، يمكننا بناء وعي مجتمعي حول أهمية الصحة كقيمة وطنية، وتعزيز التعاون المجتمعي للحد من الأمراض ودعم نمط حياة صحي يتناسب مع تطلعاتنا نحو وطن أكثر صحة واستدامة.
    bassam@balsamhealthcare.com
    المصادر
  4. Centers for Disease Control and Prevention (CDC)
  5. World Health Organization (WHO)
  6. [Public Health England (PHE)](https://www.gov.uk/go

مقالات شائعة

Exit mobile version