المنتدى الصحي

كيف يفكر الأطباء ؟

بقلم : د.بسام درويش

مستشار تعزيز الصحة

bassam@healthinarabic.com

تساؤلات عديدة تدور في ذهن المريض بعد مغادرة عيادة الطبيب ، المريض الذي اختار هذا الطبيب لكي يجيب على تساؤلاته المختلفة المقلقة له في النهار والمؤرقة له في الليل ، يدخل عادة إلى عيادة الطبيب وفي ذهنه خمس أسئلة مثلًا ، ويخرج منها وفي ذهنه العديد من الأسئلة التي تدفعه للبحث عن معلومات عبر الشبكة العنكبوتية ، مستخدمًا محرك البحث المعروف وكأن ضالته سيجدها في ( دكتور جوجل ) .

وللعلم كثير من المواقع الالكترونية لا يتم تحديث المعلومات يوميًّا ، بما في ذلك المواقع الصحية الرسمية ، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ، وأبرز مثال على ذلك ما يتعلق بالإرشادات المتعلقة بـــــ ( كورونا المستجد ) ، وغير ذلك أيضًا .

وبسبب تضارب المعلومات والفيض الكبير منها المتوفرة في الشبكة العنكبوتية يضيع المريض ، والطبيب الذي يستقي معلوماته منها .

منذ سنوات عديدة يدور في ذهني السؤال التالي ( لماذا لا يتحدث معظم الأطباء إلا عن الأمراض ، ولا يتحدثون عن الصحة ، لماذا لا يتحدثون عن الوقاية ، وعن إدارة المرض ، وعن الحالة المرضية للمريض ، وليس المرض الذي يعاني منه المريض ،

 الطبيب الجيد هو الذي يعالج المرض ، وهم كٌثُر ، والطبيب العظيم  هو الذي يفهم حالة المريض ويعالج المريض ، وهذا ما نطلق عليه ( الحكيم ) أو ( النطاسي ) ، لأن الطب مهنة إنسانية نبيلة غايتها الأساسية تحسين نوعية الحياة ، وتخفيف آلام المريض ، و عدم التسبب بأي نوع من الأذى للمريض ، وهذا ما يؤكده قسم أبقراط الطبي ( لا تؤذ ) ، والأذى لا يقتصر على وصف دواء غير مناسب ، أو إجراء عمل جراحي غير مناسب ، بل على طلب تحليل أو تشخيص لا  حاجة له على الإطلاق، أو إطلاق كلمة أو تعبير غير مناسب .

ومهمة الطبيب تكمن في تحسين جودة الحياة ، فما الفائدة من معالجة الصداع مثلًا بدواء ما ، وهذا الدواء يمكن أن يسبب الأذى للكبد أو الكلية أو الضعف الجنسي عند الرجال ؟

من المقولات التي أعجبتني ” الطبيب الجيد هو الذي يعالج المرض ، والطبيب العظيم هو الذي يعالج المريض الذي عنده المرض ” ، وهي للسير ويليام أوسلر ، طيبب كندي ساهم في بناء منظومة مختلفة للرعاية الصحية في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ماريلاند بالولايات المتحدة الأميركية .

هذا هو الطبيب ( العظيم )  الذي نطلق عليه ( الحكيم ) ، يهتم بالقصة المرضية المفصلة ، قبل أن يمد يده لفحص المريض ، الطبيب الذي يفهم حالة المريض ، ومن ثم يقوم بالخطوات التي تعلمناها على مقاعد كلية الطب ، دون التفكير في الساعة التي يرتديها المريض ، ومفتاح السيارة الذي بين يديه ، ونوع التأمين ، وغير ذلك .

و مما لا شك فيه أن كل طبيب في أي بقعة جغرافية في العالم لديه الكثير من القصص التي لا يمكنه البوح بها لأحد ، قصص مرضى تعرضوا لأذية أو وفاة أو إعاقة مدى الحياة . وفي كتاب ( كيف يفكر الأطباء ) يحاول الدكتور جيروم جروبمان   أن يجيب على هذا السؤال الصعب ، و رسم لوحة توضح آلية اتخاذ القرار ، مع التركيز بشكل خاص على ضعف مهارات الاتصال والأخطاء المعرفية التي غالباً ما تؤدي إلى سوء التشخيص و بالتالي تفاقم المرض بسبب العلاج غير المناسب.

وفي هذا الكتاب يسرد عددًا من القصص المقنعة التي تؤكد على أن العلاقة القائمة ما بين المريض والطبيب هي حاسمة ، وطريقة تفكير الطبيب وآلية اتخاذ القرار قد تكون هي الحدّ الفاصل ما بين الحياة أو الموت. ومن بين هذه القصص نذكر:

لماذا استنتج طبيب ما بسرعة أن المريضة الفلانية قد عانت من سمية الأسبرين، في حين أن طبيبها الأول شخص الالتهاب الرئوي الفيروسي عن طريق الخطأ؟

لماذا فشل العديد من الأطباء في تشخيص الحمل خارج الرحم لسيدة ما ، حتى اليوم الذي تمزق فيه الرحم ؟

يحاول الدكتور جيروم جروبمان  مؤلف كتاب ( كيف يفكر الأطباء ) ، في تسليط الضوء على ثلاثة عناصر أساسية هي :

أولًا :  بعض الأطباء لا يستمعون إلى مرضاهم ، و لهذا فمن المرجح أن يرتكب هؤلاء أخطاء جسيمة في التشخيص والعلاج.

ثانيًا : بعض الأطباء في كثير من الأحيان لا يفكرون أو يعيدون التفكير بهدف تحليل بعض القرارات المتخذة ، خصوصًا الخاطئة منها ، لفهم الظرف الذي أدى لارتكابها ، والحلول المتوفرة لتفادي مثل هذه الأخطاء ، و الغموض في بعض الحالات المرضية ودور العواطف في هذا المجال ، و ( الأنا ) .

 ثالثًا:  يجب على كل مريض أن يشارك في آلية اتخاذ القرار من جهة ، وفي دوره في التعافي من المرض ، وتغيير نمط حياته وربما عمله من أجل التمتع بجودة حياة أفضل ، وهذا ليس دور الطبيب لوحده .

وبالطبع  يثير الكاتب عددًا من التساؤلات التي يجب أن تدور في الأذهان ، ومن بينها :

“ماذا يمكن أن يكون؟” ، “ما هو أسوأ شيء يمكن أن يكون؟” ، أو “هل من الممكن لدي أكثر من مشكلة واحدة؟” وغير ذلك من التساؤلات التي تتطلب إجابات شافية وبحكمة.

ومما لا شك فيه أننا هنا لا نقلل من مستوى مهنة الطب ، فهي مهنة شاقة وعظيمة ، والطبيب العظيم هو الذي يبقى طالب علم طيلة حياته، ولا يتوقف عن ذلك بمجرد نيله الشهادة .

ومن المفيد التذكير هنا بأهمية أن يكون الطبيب واضحًا مع المريض ، وأن يبين له المساوئ المحتملة أو التأثيرات الجانبية أو المضاعفات وكيفية التعامل معها ، قبل التركيز على الفوائد لهذا الدواء أو الوسيلة العلاجية أو التشخيصية أو الوقائية .

وجميع ما سبق يمكن أن يتحقق ، ويمكن للمريض أن يخرج من عيادة المريض وهو يشعر بالرضا الذي يعتبر بمثابة حجز التذكرة في المحطة الأولى من رحلة الشفاء والسيطرة على أخطر الأمراض . وهذا يتطلب من الطبيب تخصيص الوقت الكافي للمريض ، والاستماع إلى آهاته المكبوتة قبل قياس نبضه وضغطه ودرجة حرارته ، وفهم كل ما يتعلق بالمريض الذي يعاني من هذا المرض أو العرض . ما نحن بحاجة إليه هو التواصل الفعال ما بين الطبيب والمريض ، وعدم تجاهل أو تقليل أهمية العواطف في التفكير ، وأهمية الكلمة المطمئنة والابتسامة الشافية و لمسة الكتف الحانية .

همسة :

المريض إنسان لديه عواطف وأحاسيس ، وأشخاص ينتظرون عودته .

نبضة :

كم من القصص الدامية التي لا يسمع عنها إلا الأعين الدامعة عليها .

مقالات شائعة

Exit mobile version