يتسبب ارتفاع الضغط الشرياني بوفاة ما لا يقل عن تسعة ملايين شخص حول العالم ، ويتسبب التدخين بوفاة ما لا يقل عن ستة ملايين شخص حول العالم ، والبدانة وقلة الحركة والعامل النفسي جميعها تعتبر من عوامل الخطر النوعية التي تساهم في الاصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري وارتفاع الضغط والكولسترول وغير ذلك من الأمراض بما في ذلك الأورام ، وعلى رغم أن مقولة ” درهم وقاية خير من قنطار علاج ” إلا أننا نصاب بالدهشة على الاصرار على خسارة الكثير من الوقت والجهد والمال والأرواح البشرية ، ولا نستثمر الدرهم في الوقاية من الأمراض المزمنة والأمراض المعدية ، وما الذي يمنعنا من تشجيع الطلبة على اختيار التخصصات التي تدعم الطب الوقائي ، و تعزيز الصحة ، والصحة العامة ، وما الذي يمنعنا من التركيز على الدراسات المحلية لأهم المشكلات الصحية التي تعتبر من التحديات الأساسية التي تواجه المؤسسات الصحية ؟
تساؤلات عديدة
كثيرة هي التساؤلات التي تبحث عن إجابات شافية ، خصوصاً أن الصحة نعمة ، وعلينا المحافظة عليها من خلال التسلح بالمعرفة لكي تصبح الصحة أسلوب حياة ، ولكي تصبح الصحة أسلوب حياة ، علينا أن نراجع مراجعة منهجية لحملات التوعية الصحية التي كانت تطلق بشكل خجول ، وينتهي أثرها بمجرد قص الشريط الحريري ونشر خبر هنا وهناك عبر شركات العلاقات العامة التي تقوم بدور ساعي البريد في عملها ، ولا تقوم بدورها الاستشاري .
ما الفائدة مثلاً من حملة الكشف الباكر عن سرطان القولون إذا كانت شركات التأمين لا تغطي الفحوصات والاستقصاءات سواء التي تتعلق بسرطان القولون أو الثدي أو البروستات أو غيرها ، أو إذا كان الشخص يحمل بطاقة تأمينية لا تغطي أدنى الاحتياجات الأساسية في الصحة؟
النظام الصحي
النظام الصحي يهدف إلى تحسين صحة أفراد المجتمع ونوعية حياتهم ، وهذا يتطلب إعادة النظر في النظام الصحي ، وبناء نظام صحي يعتمد على الدراسات المحلية ، لتلبية الاحتياجات المطلوبة في مجالات عديدة من خدمات الرعاية الصحية التشيخيصية والوقائية والعلاجية ، و لا نعتمد في نظامنا الصحي على تطبيق النظام الصحي لدولة ما .
و الصحة كما نقول ونردد دائماً ليست مسؤولية المؤسسات الصحية لوحدها فقط ، بل هي مسؤولينا جميعاً كأفراد واعين في المجتمع ، وعلينا أن نشرك الجميعات الخيرية ، والاجتماعية والرياضية والمؤسسات التعليمية والأكاديمية والاعلامية وغير ذلك ، للعمل وفق خريطة طريق يلتزم بها كلاً من الصغير والكبير .
وهناك الكثير من الحلول البسيطة غير المكلفة التي يمكن القيام بها ابتداء من الأحياء وانتهاء بالشرائح الاجتماعية ككل، من خلال إدارة صحة السكان وتوجيه أنشطتها اليومية بما يعزز من الصحة ومن الطب الوقائي. ما يساهم في تقليل الأعباء المادية والخسائر البشرية الناجمة عن المضاعفات للأمراض المزمنة والمعدية أيضاً ؟
ونتساءل أيضاً ، لماذا لا يتم دمج التثقيف الصحي في المناهج التدريسية بشكل عملي ومنهجي ، وليس مجرد معلومات نظرية أثبتت التجارب والوقائع عدم فعاليتها في تعزيز الصحة منذ الصغر بين الطلبة .
ونتساءل أيضاً ، هل لدينا التخصصات الأساسية التي يمكن أن نبني من خلالها منظومة متكاملة من الطب الوقائي والصحة العامة من أجل تعزيز الصحة في المجتمع ، مثل الإحصاء الحيوي وعلم الأوبئة والسياسة الصحية والإدارة والسلوك الصحي والصحة البيئية، والصحة العامة والطب الوقائي العام أو في التخصصات الفرعية للطب الفضائي الجوي، أو علم السموم الطبي، أو الطب المهني؟
أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى إصلاح هيكلي للبنية التحتية للرعاية الصحية و الانتقال من “صناعة” رعاية الأمراض إلى “نظام “مخصص لتعزيز الصحة والطب الوقائي ، لكي نرتقي بجودة الحياة بالنسبة للأصحاء والمرضى ، ويمكن لما سبق أن يساهم في تقليل الهدر في الموارد المخصصة للطب العلاجي ، والاستثمار في الطب الوقائي ، لأن كلفة المرض كبيرة جداً وكلفة الوقاية من المرض زهيدة جداً.