المنتدى الصحي

مواجهة المعلومات المضللة:

جائحة تهدد الصحة العامة

د.بسام درويش

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

بعد تجاوز العالم لجائحة COVID-19، برزت جائحة جديدة تهدد الصحة العامة وهي جائحة المعلومات المضللة. ففي الوقت الذي تعافت فيه الأنظمة الصحية من تأثير الفيروس، أصبح انتشار المعلومات الخاطئة وغير المبنية على الأدلة تحديًا كبيرًا يتطلب اهتمامًا خاصًا. إن تعزيز الثقة في العلم هو الهدف الأسمى لضمان نجاح الجهود الصحية العامة في هذه المرحلة.

ما بعد الجائحة: التحدي الجديد

مع انحسار جائحة COVID-19، لم تعد المشكلة الأكبر تتعلق فقط بمكافحة الفيروسات والأمراض، بل امتدت إلى مكافحة انتشار المعلومات المضللة وغير المستندة إلى الحقائق. خلال فترة الجائحة، لعبت المعلومات الخاطئة دورًا كبيرًا في تعزيز التردد تجاه اللقاحات، ونشر علاجات غير مثبتة علميًا، والتشويش حول تدابير الوقاية. وبعد انتهاء الجائحة، بات هذا التحدي أكثر تعقيدًا بسبب استمرار هذه المعلومات في التأثير على الصحة العامة.

أمثلة عملية على المعلومات المضللة

  • الترويج لعلاجات غير فعالة: لا تزال بعض الادعاءات الكاذبة حول علاجات غير معترف بها صحيًا تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يؤدي إلى لجوء البعض إليها بدلاً من طلب الرعاية الطبية المناسبة.
  • نشر مخاوف غير مستندة إلى العلم حول اللقاحات: رغم انتهاء الجائحة، تستمر الشائعات حول تأثيرات اللقاحات على المدى الطويل في الانتشار، ما يؤثر على قرارات الأفراد بشأن التطعيمات الوقائية المستقبلية.

جائحة المعلومات المضللة: تأثيرها على الصحة العامة

المعلومات المضللة لها تأثيرات طويلة الأمد، فهي تقلل من ثقة الأفراد في المؤسسات الصحية والعلمية، وتؤثر على قراراتهم الصحية. فعلى سبيل المثال، العديد من الأفراد يتجنبون اللقاحات الجديدة أو العلاجات المبتكرة بناءً على معلومات غير دقيقة. هذا الأمر لا يعيق فقط الوقاية من الأمراض، بل يعرقل أيضًا جهود الصحة العامة لتحقيق مجتمع أكثر صحة.

حلول واقعية لمواجهة جائحة المعلومات المضللة

  1. تعزيز محو الأمية الصحية: يمكن للمنظمات الصحية أن تساهم في توعية الجمهور بكيفية التفريق بين المعلومات الصحيحة والخاطئة. يتطلب ذلك تطوير أدوات تعليمية وتثقيفية تساعد الأفراد على التحليل النقدي للمصادر وتجنب الأخبار الزائفة.
  2. تعاون مع المنصات الاجتماعية: تعمل شركات التواصل الاجتماعي الآن على تطوير خوارزميات قادرة على كشف المعلومات المضللة وحظرها. يمكن أن تساهم هذه الأدوات في تقليل انتشار الأخبار الزائفة قبل أن تتوسع.
  3. التواصل الواضح والمبني على الأدلة: يجب أن تكون الرسائل الصحية المقدمة للجمهور بسيطة وواضحة ومبنية على حقائق علمية. على سبيل المثال، توجيه المعلومات الصحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل صحيح وفعال يمكن أن يقلل من التردد تجاه التطعيمات أو العلاجات الوقائية.
  4. التواصل المباشر مع المجتمعات: في ظل انعدام الثقة ببعض المؤسسات، من المهم إشراك المجتمعات المحلية وقادتها في نشر المعلومات الصحية الصحيحة. على سبيل المثال، التعاون مع الشخصيات المؤثرة محليًا لنشر الرسائل الصحية قد يساعد في استعادة الثقة.

مواجهة المعلومات الخاطئة بخطوات عملية

في “بلسم لتطوير الرعاية الصحية” وأكاديمية بلسم، ندرك أن جائحة المعلومات المضللة هي التحدي الصحي القادم. لهذا السبب، نعمل مع شركات متخصصة في الذكاء الاصطناعي لرصد المعلومات الخاطئة على الإنترنت، والتعامل معها بشكل استباقي. نهدف من خلال هذه الجهود إلى تقديم أدوات قادرة على تحليل البيانات وتحذير الجمهور من المعلومات غير الصحيحة قبل أن تتسبب في أضرار صحية.

كما أننا نعمل على بناء علاقات شراكة استراتيجية مع شركاء رسميين في دولة الإمارات العربية المتحدة لضمان أن تكون الحلول المقدمة متكاملة وتلبي احتياجات المجتمع. بناء الثقة في المؤسسات الصحية والعلمية هو أساس التصدي لجائحة المعلومات المضللة، وهو ما يتطلب جهودًا مستمرة واستراتيجيات طويلة الأمد.

اقتراحات وتوصيات للمرحلة المقبلة

  1. استخدام التكنولوجيا الحديثة: من خلال توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد ومكافحة المعلومات المضللة، يمكن تقليل تأثير هذه الجائحة على الصحة العامة.
  2. تعزيز الشراكات بين القطاع الصحي ووسائل الإعلام: تحتاج المؤسسات الصحية إلى التعاون مع وسائل الإعلام لنشر المعلومات الدقيقة بشكل منتظم، وتعزيز دور الإعلام في تصحيح المفاهيم الخاطئة.
  3. الشفافية والمصداقية: يجب أن تكون المؤسسات الصحية شفافة في تعاملها مع المعلومات، وأن تقدم بيانات مبنية على الأدلة لتبني الثقة مع الجمهور.

الخلاصة: الثقة في العلم والأخلاق

في مرحلة ما بعد جائحة COVID-19، تعتبر الثقة في العلم الحل الرئيسي لمواجهة جائحة المعلومات المضللة. من خلال تعزيز الشفافية، وتقديم المعلومات الدقيقة، والتعاون بين الحكومات والشركات التقنية، يمكننا حماية المجتمعات من تأثيرات هذه المعلومات. فالتصدي للمعلومات الخاطئة هو جهد طويل الأمد، يتطلب التزامًا مستمرًا من كافة الأطراف لضمان مستقبل صحي وآمن للجميع.

في النهاية، تبقى الثقة في العلم والأخلاق هي الركيزة الأساسية لضمان نجاح جهود الصحة العامة في مواجهة تحديات المستقبل.

bassam@balsamhealthcare.com

مقالات شائعة

Exit mobile version