المنتدى الصحي

حملات التوعية بالتبرع بالأعضاء : تحقيق النجاح المستدام يتطلب استراتيجية شاملة

د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

تُعد حملات التوعية بالتبرع بالأعضاء من الأدوات الحيوية لمواجهة النقص العالمي الحاد في الأعضاء المتاحة للزرع، حيث أن زيادة الوعي المجتمعي حول هذا الموضوع لا تسهم فقط في تحسين حياة المرضى، بل في إنقاذ حياتهم حرفيًا. تشير الإحصاءات إلى أن ملايين المرضى حول العالم ينتظرون فرصتهم في الحصول على أعضاء من متبرعين، ولكن نقص المتبرعين يفاقم أزمات الصحة العامة ويزيد من تكاليف الرعاية الصحية، خاصة في حالات زراعة الأعضاء الحيوية كالكلى، التي تتطلب تكاليف مرتفعة لعلاج الفشل الكلوي في غياب المتبرعين.
لماذا التبرع بالأعضاء مسألة حيوية؟
تظهر الأرقام بوضوح أن الحاجة إلى زراعة الأعضاء تتزايد بشكل كبير؛ فعلى سبيل المثال، يشير المركز الوطني الأمريكي للتبرع بالأعضاء إلى أن مريضًا جديدًا ينضم لقائمة الانتظار كل 10 دقائق تقريبًا، بينما تُفقد عشرات الأرواح يوميًا بسبب نقص الأعضاء. وتعد زراعة الكلى من أكثر الحالات شيوعًا، وتكلفتها تصل إلى حوالي 80 ألف دولار في السنة للمريض الواحد في حالة عدم وجود متبرع، وهي تكلفة باهظة تتكرر لسنوات طويلة مقارنةً بتكلفة عملية زراعة الكلى، التي يمكن أن تقلل التكاليف العلاجية بنسبة تصل إلى 70%.
كيف تعمل حملات التوعية بالتبرع بالأعضاء؟
تهدف حملات التوعية إلى تعزيز فهم الجمهور لفكرة التبرع بالأعضاء وأهميتها، من خلال تقديم معلومات مبسطة وتوجيه رسائل مؤثرة عبر قصص نجاح حقيقية لأشخاص تم إنقاذ حياتهم بفضل هذا النوع من التبرع. وتوضح الدراسات أن الحملات التي تعتمد على قصص واقعية تؤثر على الرأي العام بفعالية أكبر، حيث تُظهر الحملات في إسبانيا – التي تُعد من الدول الرائدة في مجال التبرع بالأعضاء – أن دعم الحكومة والبرامج التوعوية الشاملة ساعد في تحقيق نسبة عالية من المتبرعين المسجلين، مما أدى إلى تقليل قوائم الانتظار بشكل ملحوظ.
التحديات التي تواجه حملات التوعية
في العديد من الدول، تواجه حملات التوعية بالتبرع بالأعضاء عقبات ثقافية و اجتماعية واقتصادية وغير ذلك ، تحول دون انتشار هذه الفكرة، حيث يعزف البعض عن التسجيل كمتبرعين لأسباب تتعلق بمفاهيم خاطئة حول قدسية الجسد بعد الموت، أو بسبب نقص المعرفة بتفاصيل التبرع. أظهرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن 30% من الأفراد في المجتمعات ذات الأغلبية العربية يمتنعون عن التبرع نتيجة المخاوف من الناحية الدينية، على الرغم من أن القانون والشرع أجاز ذلك ، ولهذا لا بد من استمرارية التوعية بالجوانب الصحية والقانونية والشرعية المتعلقة بالتبرع وزارعة الأعضاء ، وهو ما يستدعي التواصل مع القيادات الدينية لنشر الوعي والتأكيد على أن التبرع بالأعضاء يُعد عملًا إنسانيًا نبيلًا يتماشى مع القيم الدينية.
حلول لنجاح حملات التبرع بالأعضاء في العالم العربي
لتعزيز فعالية حملات التبرع بالأعضاء في المنطقة العربية، يمكن تبني عدد من الحلول والإجراءات التي أثبتت نجاحها عالميًا وتكييفها بما يناسب الثقافة المحلية:

  1. التعاون مع المؤسسات الدينية: التوعية عبر المؤسسات الدينية يمكن أن تزيل الحواجز التي تحول دون التبرع بالأعضاء، من خلال توضيح جوانب التبرع ومواكبته للقيم الدينية. يمكن للأئمة والدعاة، على سبيل المثال، لعب دور توعوي في هذا المجال.
  2. التثقيف في المدارس والجامعات: تعزيز الوعي حول أهمية التبرع بالأعضاء من خلال إدراج الموضوع في المناهج التعليمية سيسهم في بناء جيل متقبل لفكرة التبرع وواعٍ بأهمية العمل الإنساني.
  3. تشجيع التسجيل عبر وسائل ميسرة: يجب أن تكون عملية التسجيل للتبرع بسيطة ومباشرة، سواء عبر الإنترنت أو عبر مكاتب الرعاية الصحية. فالخطوات السهلة تشجع المزيد من الأفراد على اتخاذ قرار التبرع. وهذا ما أتاحه برنامج ( حياة ) للتبرع بالأعضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة.
  4. فرض سياسات للتبرع التلقائي: تجربة بريطانيا في اعتبار جميع الأفراد متبرعين محتملين إلا إذا اختاروا الانسحاب أدت إلى زيادة معدلات التبرع بشكل كبير. يمكن تطبيق نموذج مشابه بعد مراجعة وتكييفه مع الخصوصيات الثقافية في الدول العربية.
  5. القصص الحقيقية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي: القصص الإنسانية لأشخاص تم إنقاذ حياتهم بفضل زراعة الأعضاء، أو عائلات تبرعت بأعضاء أحبائها بعد الوفاة، تترك أثرًا عاطفيًا عميقًا. من شأن مثل هذه القصص أن تعزز قبول فكرة التبرع وتفتح المجال أمام حوار مجتمعي أوسع.
    التأثير الاقتصادي للتبرع بالأعضاء
    يعتبر التبرع بالأعضاء استثمارًا اقتصاديًا، حيث يساهم في تقليل تكاليف الرعاية الصحية طويلة الأمد. فبدلًا من إنفاق مئات الآلاف سنويًا على جلسات الغسيل الكلوي لمرضى الفشل الكلوي، تُسهم زراعة الكلى في تحسين حياة المرضى وتقليل العبء المالي على الأنظمة الصحية. تشير الدراسات إلى أن كل مريض يحصل على عملية زراعة كلى بدلاً من العلاج التقليدي يوفر حوالي 200 ألف دولار على مدار عشر سنوات.
    نماذج دولية تُلهمنا
    حققت إسبانيا، وهي من أبرز الدول في مجال التبرع بالأعضاء، نجاحًا كبيرًا بفضل الدعم الحكومي والتعاون بين القطاع الصحي والمنظمات المجتمعية، مما جعلها تتصدر قائمة الدول في عدد المتبرعين لكل مليون نسمة. كذلك، أظهرت بريطانيا نجاحًا لافتًا بنظام “التبرع الافتراضي”، الذي زاد من أعداد المتبرعين المسجلين وأدى إلى تحسين فرص الحصول على أعضاء.
    استراتيجية شاملة
    حملات التوعية بالتبرع بالأعضاء تحمل إمكانيات هائلة لإنقاذ الأرواح وتحسين نظام الرعاية الصحية، لكن تحقيق النجاح المستدام يتطلب استراتيجية شاملة، تشمل دعم الحكومة، والتعاون مع المؤسسات الإعلامية والتربوية والتعليمية والاجتماعية والرياضية و الخيرية و الدينية وغيرها. وتبسيط إجراءات التسجيل، وتوسيع نطاق التثقيف من خلال الإعلام. بهذه الجهود المشتركة، يمكننا أن نساعد في تقليل قوائم الانتظار، ونخلق ثقافة مجتمعية تعزز من قيمة التبرع بالأعضاء كجزء من التضامن الإنساني.
    bassam@balsamhealthcare.com

مقالات شائعة

Exit mobile version