د. بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
سرطان الثدي لا يزال يمثل تحدياً صحياً كبيراً في جميع أنحاء العالم. رغم زيادة الوعي حول هذا المرض، إلا أن الطريق نحو الكشف المبكر مليء بالتحديات، وعلينا العمل والتعاون مع مختلف المؤسسات لردم الفجوة المعرفية ، و تحويل تلك التحديات إلى فرص .
ويبقى السؤال :
أين تكمن هذه التحديات؟
هل في الكشف المبكر، الأمية الصحية والفجوة المعرفية ، التأمين، أم في التشريعات القانونية؟
تحديات الكشف المبكر من أكبر التحديات أن الكثير من النساء لا يعرفن أو لا يتمكنّ من الوصول إلى وسائل الكشف المبكر مثل تصوير الثدي بالماموجرام أو الموجات فوق الصوتية ، رغم توفرها ليس في شهر أكتوبر الوردي ، بل في كثير من المراكز الطبية والمستشفيات ، ورغم تقدم التكنولوجيا، لا يزال هناك تأخير كبير في اكتشاف المرض في مراحله المبكرة، خاصة في المناطق ذات الدخل المنخفض أو المناطق الريفية حيث تفتقر البنية التحتية الصحية إلى الكثير من العوامل في بلادنا العربية ، بالإضافة إلى ذلك، الخوف والوصمة الاجتماعية غالباً ما يمنع النساء من طلب المساعدة الطبية ، وتكون المساعدة حتمية في مرحلة متطورة من المرض ، وقد يكون الأوان قد فات .
الأمية الصحية: حاجز صامت أمام الوعي بسرطان الثدي
العديد من النساء لا يعرفن كيفية إجراء الفحص الذاتي الشهري ، وهو فحص مجاني لا يكلف سوى دقائق معدودة شهرياً ، أو لا يعرفن مدى أهمية الفحوصات الدورية.
وتزيد العادات الثقافية والمعلومات الخاطئة من تفاقم المشكلة، مما يؤدي إلى مفاهيم خاطئة تعرقل التشخيص المبكر. ولهذا نقول إن حملات التوعية التعليمية ضرورية لزيادة الوعي ومساعدة النساء على فهم أن الكشف المبكر يمكن أن ينقذ حياتهن.
ولكن يجب التخطيط لحملات التوعية الصحية بطرق مختلفة حتى تكون مؤثرة ، والتأثير لا يتم قياسه من خلال “الهاشتاغات واللايكات ” ، ولا من خلال ارتداء اللون الوردي ، ولا من خلال ما يتم نشره من اخبار عن الحملة ، بل من خلال القياس الحقيقي ، هل وصلت الرسالة ، ولمن وصلت الرسالة ، ولماذا لم تصل الرسالة بالطريقة الصحيحة ، ولماذا لم يكن للرسالة الأثر المطلوب ، وغير ذلك من التساؤلات التي تتطلب ورشة عمل تفاعلية وعصف ذهني وتحليل دقيق للبيانات، ومن ثم يتم التخطيط لحملة صحية بطريقة تترك اثرا قادرا على تغيير السلوك.
الحواجز الثقافية والتعليمية
تؤثر الحواجز الثقافية بشكل كبير على وصول المعلومات الصحية، حيث أن الحديث عن صحة الثدي في بعض المجتمعات يعد غير مرغوب به، مما يمنع النساء من طرح الأسئلة أو حضور الفحوصات. ولهذا يجب تعزيز برامج التوعية بشكل يتماشى مع ثقافة المجتمع المحلي، مع التركيز على أهمية الكشف المبكر والوقاية. مع التذكير هنا بأهمية توعية الذكور بهذه المشكلة .
التأمين وسرطان الثدي:
كيف تؤثر العوائق المالية على الكشف المبكر؟
التكاليف المتعلقة بالرعاية الصحية تشكل عائقاً أمام الكشف المبكر عن سرطان الثدي في العديد من البلدان. رغم أن الفحص الدوري مثل الماموجرام يعد ضرورة، إلا أن تكاليفه تمنع بعض النساء من إجرائه.
العبء المالي
في العديد من الدول، لا يغطي التأمين الصحي فحوصات سرطان الثدي بالكامل، خاصة للنساء الأصغر سناً. هذه التكاليف تشكل عائقاً رئيسياً أمام الفحوصات الوقائية، مما يزيد من احتمالية التشخيص في مراحل متقدمة.
سياسات التأمين والرعاية الوقائية
من الضروري أن تتبنى الحكومات سياسات تأمينية شاملة تغطي الفحوصات الدورية لجميع النساء بغض النظر عن الفئة العمرية. يمكن أن تؤدي سياسات التأمين الشاملة إلى تقليل حالات التشخيص المتأخرة وزيادة فرص العلاج.
حلول مبتكرة
التعاون بين الحكومات ومقدمي الرعاية الصحية لتوفير برامج مجتمعية بأسعار ميسرة أو مجانية للفحوصات الوقائية يمكن أن يساهم في تخفيف العبء المالي. ينبغي توفير حلول مبتكرة لتسهيل الوصول إلى الرعاية الوقائية لجميع الفئات.
التحديات القانونية والتنظيمية في الوقاية من سرطان الثدي
القوانين والأنظمة الصحية تلعب دوراً حاسماً في تحسين الوقاية والكشف المبكر عن سرطان الثدي. للأسف، في العديد من الدول، لا تزال الأطر القانونية والتنظيمية غير محدثة بما يكفي لدعم جهود الوقاية.
الحاجة إلى سياسات شاملة للفحص
في العديد من البلدان، لا توجد تشريعات تلزم بتوفير فحوصات سرطان الثدي مجاناً أو بأسعار معقولة، مما يؤدي إلى زيادة في حالات التشخيص المتأخر. يجب على الحكومات وضع سياسات واضحة تلزم بتوفير الفحوصات الوقائية كجزء من الرعاية الصحية العامة.
التعاون الدولي
التعاون الدولي ضروري لتطوير معايير عالمية للكشف المبكر عن سرطان الثدي. يمكن لمنظمات مثل منظمة الصحة العالمية أن تلعب دوراً في توجيه الدول نحو تبني أفضل الممارسات وتحسين الأطر القانونية لدعم الرعاية الوقائية.
التوصيات:
نحو تحسين الكشف المبكر والوقاية من سرطان الثدي
1. تعزيز حملات التوعية الصحية: يجب أن تكون الحملات شاملة وموجهة لمختلف فئات المجتمع، مع استخدام وسائل الإعلام التقليدية والرقمية.
2. تحديث السياسات القانونية: ينبغي على الحكومات تحديث التشريعات لدعم برامج الفحص المجانية وتسهيل الوصول إلى الفحوصات الوقائية.
3. توفير تغطية تأمينية شاملة: يجب على شركات التأمين والحكومات العمل معًا لتوفير تغطية تأمينية شاملة لجميع النساء، بغض النظر عن الفئة العمرية.
4. تطوير حلول مبتكرة: تقديم برامج مجتمعية للفحوصات بأسعار معقولة أو مجانية، بالتعاون مع المنظمات الصحية والحكومات، يمكن أن يكون حلاً لتخفيف العبء المالي.
5. التثقيف والتدريب: يجب التركيز على تثقيف النساء والأطباء حول أهمية الفحوصات الدورية، مع توفير ورش عمل مستمرة لتحسين الوعي الصحي.
التوعية الصحيحة
تحسين الوعي الصحي الحل يكمن في تحسين مستوى الأمية الصحية. يجب أن تكون حملات التوعية العامة واسعة النطاق وحساسة ثقافياً لتثقيف النساء حول فهم طبيعة مكونات الثدي ، وعوامل الخطر ، ومراحل تشكل سرطان الثدي و مدى أهمية الفحص الذاتي ، والكشف المبكر والوقاية تبقى هي الخطوة الأولى .
يمكن استخدام منصات الإعلام مثل الإذاعة والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الأفراد الذين يصعب الوصول إليهم عبر الوسائل التقليدية. ويمكن أن تلعب المدارس والمراكز المجتمعية دورًا محوريًا في نشر هذه المعلومات الحيوية.
محو الأمية الصحية هي حجر الأساس للكشف المبكر الفعال، وبدونها ستظل حتى أكثر التدخلات الطبية تقدمًا ذات تأثير محدود. حتى يتم تزويد النساء بالمعرفة التي يحتجنها، ستبقى الأمية الصحية حاجزاً صامتاً ولكنه قاتل في طريق الوقاية من السرطان.
دور الطبيب
لو قام كل طبيب مهما كان تخصصه من الطب العام إلى اكثر التخصصات الطبية دقة وندرة ، بتذكير الفتاة أو السيدة بأهمية الفحص الذاتي والفحص الدوري بالماموغرام ، فقط مجرد تذكير ، فإن هذه القطرة من الماء ” جرعة توعية ” يمكن ان تبلل الشفاه الشاحبة التي تتوق للمعرفة الصحية بالطريقة الصحيحة .
لن نتمكن من التغلب على سرطان الثدي إلا من خلال نهج شامل يتضمن التوعية، التشريعات، ودعم التأمين الصحي. فقط من خلال تعاون الجميع يمكننا أن نحقق التغيير ونقلل من الوفيات الناتجة عن هذا المرض.
bassam@balsamhealthcare.com