في خضم التحولات الرقمية المتسارعة، لم يعد دور الطبيب محصورًا داخل جدران العيادات والمستشفيات، بل بات يبرز بوجه جديد على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يجد البعض من الأطباء أنفسهم نجوماً يتابعهم آلاف، بل ملايين الأشخاص.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: من يصنع الطبيب النجم؟
هل هي الشهرة التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي، أم دعم الشركات، أم هو تفاني الطبيب في علمه وأخلاقياته ومتابعته لمرضاه وأبحاثه العلمية؟
الطبيب كرمز للأمل والعطاء
بغض النظر عن الوسائل التي تسلط الضوء عليه، يبقى دور الطبيب يتجاوز كونه مقدمًا للرعاية الصحية، فهو شعلة أمل في أوقات ضعف المرضى وألمهم. الطبيب الحقيقي هو من يلتزم بالقيم الإنسانية والأخلاقية، حيث يسعى ليس فقط لتخفيف معاناة المرضى بل لمشاركة مشاعرهم وآمالهم، فيقف إلى جانبهم بإنسانية في أوقات ضعفهم.
في مهنة الطب، تكمن مسؤولية نبيلة لا تنحصر في التشخيص أو العلاج، بل تشمل نقل القيم الإنسانية إلى الأجيال القادمة من الأطباء، وتوجيه طاقاتهم نحو البحث العلمي والتطوير. فبعض الأطباء يكرسون حياتهم لتدريب طلاب الطب، ناقلين لهم المعرفة وقيم الرحمة والالتزام. وآخرون يسهمون في البحث العلمي، لإيجاد حلول جديدة تسهم في تعزيز الصحة العامة والارتقاء بجودة حياة الأفراد.
وسائل التواصل الالكترونية: وسيلة أم غاية؟
منصات التواصل الالكترونية (الاجتماعية) أصبحت تمثل ساحة واسعة للأطباء للتواصل مع المجتمع وتقديم محتوى توعوي صحي.
وقد ساعدت بالفعل العديد من الأطباء على تقديم معلومات مفيدة والتثقيف الصحي، مما يسهم في زيادة الوعي العام حول الوقاية من الأمراض وطرق العيش الصحية. ولكن، قد تتجاوز بعض الحسابات الطبية حدود الرسالة العلمية، فتصبح منصات للتسويق الشخصي، حيث يُقدم بعض الأطباء محتوى يركز على جذب المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب جودة المعلومات ودقتها.
في ظل السباق المحموم نحو مزيد من الإعجابات والتعليقات، قد ينجرف بعض الأطباء إلى نشر محتوى أقل عمقاً وتخصصاً، سعياً وراء الشهرة السريعة. وهنا يتطلب من الطبيب أن يتذكر أن منصات التواصل ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة لنقل المعرفة وتقديم الدعم الطبي للمجتمع. الطبيب النجم الحقيقي هو الذي يحافظ على توازن بين التفاعل الرقمي والرسالة الأخلاقية لمهنته، فيظل حريصًا على تقديم محتوى علمي موثوق يحترم ضميره ومسؤوليته تجاه جمهوره.
دور الشركات في صناعة الطبيب النجم
إلى جانب وسائل التواصل ، تسهم بعض الشركات الطبية في تسليط الضوء على أطباء معينين عبر الترويج لهم في مؤتمرات وبرامج دعائية، مما يعزز من حضورهم ويكسبهم شهرة إضافية. ورغم أن هذا الدعم قد يكون مفيدًا، إلا أن هناك خطرًا يكمن في اعتماد الطبيب على الشركات في بناء سمعته، مما قد يجعل الصورة العامة تتأثر بالمصالح التجارية أكثر من الإنجازات الطبية الحقيقية. في هذه الحالة، يظل المجتمع بحاجة إلى التمييز بين الأطباء الذين يعتمدون على العلم والأخلاق، وأولئك الذين يروجون لأنفسهم مدفوعين بالمكاسب التجارية.
العلم والأخلاق: أساس النجومية الحقيقية
رغم دور وسائل التواصل الاجتماعي والشركات، يبقى التفاني في العلم والأخلاقيات هو الأساس المتين لأي “نجومية” حقيقية. الطبيب الذي يكرس نفسه لمتابعة مرضاه وتقديم أفضل رعاية لهم، والذي يتطلع إلى إنجازات علمية من خلال الأبحاث، هو الذي يبني سمعة مستدامة ترتكز على ثقة مجتمعه واحترامهم. قد لا تحقق هذه السمعة آلاف المتابعين بين ليلة وضحاها، لكنها تصنع طبيبًا يحظى باحترام حقيقي، ويُنظر إليه كرمز للإنسانية والخبرة.
الطبيب النجم: مزيج من التوازن والتأثير الإيجابي
في النهاية، “الطبيب النجم” ليس من يلاحق شهرة منصات التواصل الاجتماعي أو ترويج الشركات، بل هو من يستطيع الجمع بين الحضور الرقمي الملتزم، والالتزام العميق بأخلاقيات مهنته ومسؤولياته تجاه المجتمع. هذا الطبيب يستخدم تأثيره ليحمل رسالة نبيلة تتجاوز حسابات الشهرة، ليكون رمزًا للعلم والأمل والإنسانية في حياة الناس، لأن الطبيب الحقيقي هو من يحمل في قلبه رسالة صادقة، تنير درب مرضاه وتخدم الإنسانية بأمانة وشفافية.