Connect with us

المنتدى الصحي

شركات الأدوية هل تعزز الصحة أم المرض؟

بقلم: د. بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
شركات الأدوية هي أحد أعمدة النظام الصحي العالمي، حيث تحقق أرباحًا سنوية طائلة تجاوزت 1.5 تريليون دولار في عام 2023، وفقًا لتقرير Statista. ومع ذلك، يُثار تساؤل مهم: لماذا لا يتم تخصيص جزء أكبر من هذه الأرباح لتعزيز التوعية الصحية لدى المرضى؟
لماذا تقتصر جهود التثقيف الصحي غالبًا على حملات قصيرة الأمد أو محدودة الأثر؟
في وقت تتزايد فيه الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب، ومع تزايد الحاجة إلى فهم أوسع للأدوية وكيفية استخدامها، فإن دور شركات الأدوية يجب أن يتعدى إنتاج العلاجات إلى دعم الوقاية والتثقيف.
فهل تهتم شركات الأدوية بتوعية المرضى والوقاية من الأمراض، أم أن تركيزها الأساسي ينصب على الربح من خلال العلاج؟
شركات الأدوية: بين الوقاية والعلاج

الأولوية للعلاج
• الأدوية المزمنة كمصدر رئيسي للربح: معظم أرباح شركات الأدوية تأتي من الأدوية التي تُستخدم لعلاج الأمراض المزمنة مثل السكري، ارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب. هذه الأدوية تتطلب استخدامًا طويل الأمد، ما يجعلها مصدرًا مستدامًا للدخل.
• قلة الاستثمار في الوقاية: رغم أن الوقاية تُعد أكثر فعالية من العلاج، إلا أن شركات الأدوية تُركز على تطوير العلاجات بدلاً من التوعية الصحية.

الوقاية كفرصة تجارية
• اللقاحات كاستثناء: أظهرت جائحة كوفيد-19 قدرة شركات الأدوية على دعم الوقاية من خلال تطوير اللقاحات. ومع ذلك، فإن هذا التركيز يرتبط غالبًا بالمكاسب الاقتصادية العالية لهذه المنتجات.
• ضعف الاستثمار في التوعية الصحية: معظم برامج التوعية تُترك للجهات الحكومية أو المنظمات غير الربحية، في حين أن دور شركات الأدوية يظل محدودًا.
لماذا تُفضل شركات الأدوية التركيز على الأمراض؟

النموذج الربحي
شركات الأدوية هي كيانات تجارية في الأساس. تحقيق الأرباح يأتي من بيع الأدوية، وليس من الوقاية. الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجات طويلة الأمد تُعد مصدرًا دائمًا للدخل، بينما الوقاية، إذا نجحت، تقلل الطلب على الأدوية.

نقص الاستثمار في التوعية
• إحصائيات التوعية: بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO)، يتم تخصيص أقل من 5% من ميزانيات شركات الأدوية الكبرى للتوعية والوقاية، مقارنة بالمبالغ الضخمة التي تُنفق على التسويق.
• التسويق مقابل التثقيف: تشير بعض الدراسات إلى أن إنفاق شركات الأدوية على التسويق يفوق إنفاقها على البحث والتطوير في بعض الحالات.

التحديات العملية
• تغيير نمط الحياة: التوعية الصحية تتطلب تغييرات كبيرة في نمط الحياة مثل تحسين النظام الغذائي أو زيادة النشاط البدني، وهي أمور تستغرق وقتًا ولا تحقق عائدًا سريعًا.
• الربح الفوري: بيع الأدوية يُحقق عائدًا مباشرًا، بينما تتطلب الوقاية استثمارات طويلة الأمد.
التكلفة الاقتصادية لنقص التوعية الصحية

أخطاء الأدوية وعدم الالتزام بالعلاج
تشير تقارير National Center for Biotechnology Information إلى أن الأخطاء الدوائية وعدم الالتزام بالعلاج يُكلف النظام الصحي الأمريكي حوالي 500 مليار دولار سنويًا. هذه التكاليف يمكن تقليصها من خلال حملات توعوية فعالة.

الأمراض المزمنة والعبء الصحي
70% من الأمراض المزمنة، مثل السكري وأمراض القلب، يمكن الوقاية منها من خلال التوعية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO). ومع ذلك، فإن شركات الأدوية تركز على العلاج بدلاً من الوقاية، مما يزيد من العبء الصحي على المجتمعات.
هل يمكن أن تتغير أولويات شركات الأدوية؟

زيادة الوعي العام
مع تزايد وعي الأفراد بأهمية الوقاية، قد تضطر شركات الأدوية إلى تغيير استراتيجياتها لتلبية هذه الاحتياجات.

الابتكار في الوقاية
• برامج اللقاحات المتطورة: مثل لقاحات الوقاية من السرطان.
• أدوية الوقاية: تطوير أدوية تساعد في تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب.

التكنولوجيا كأداة للتوعية
• تطبيقات رقمية: يمكن لشركات الأدوية تطوير تطبيقات تقدم نصائح صحية ومتابعة لحالة المرضى.
• منصات تعليمية: إنشاء منصات رقمية تقدم محتوى تعليمي حول الوقاية من الأمراض.
نماذج ملهمة في التوعية الصحية

حملات مكافحة الملاريا
بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أطلقت بعض الشركات حملات توعوية في إفريقيا لتوزيع الناموسيات المعالجة بالدواء، مما أدى إلى انخفاض معدلات الإصابة بالملاريا.

التوعية بمرض السكري
أطلقت بعض الشركات مبادرات توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتثقيف المرضى حول كيفية إدارة مرض السكري.

الصحة النفسية
ساهمت شركات أدوية في تطوير منصات رقمية تقدم نصائح مجانية حول التعامل مع الاكتئاب والقلق، مما ساهم في رفع الوعي بالصحة النفسية.
هل تهتم شركات الأدوية بالوقاية؟
شركات الأدوية لديها الفرصة والموارد لتوسيع دورها في التوعية الصحية، لكن هذا الدور غالبًا ما يُعامل كجانب ثانوي. الاستثمار في التوعية والوقاية ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل هو أيضًا استثمار طويل الأمد يُعزز من سمعة الشركات ويُحسن صحة المجتمعات.
التغيير الحقيقي يبدأ من وعي الأفراد، ويمكن لشركات الأدوية أن تكون شريكًا في هذا التغيير من خلال تخصيص جزء أكبر من أرباحها لخدمة الصحة العامة. لأن الصحة ليست مجرد علاج، بل هي وقاية، وعي، وأسلوب حياة.
bassam@balsamhealthcare.com

Continue Reading

مقالات شائعة