د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
يشكل مرض السرطان تحديًا كبيرًا ليس فقط للمريض وإنما لأسرته والمجتمع المحيط به. فبينما تركز معظم الرعاية الطبية على العلاج أثناء فترة المرض داخل المستشفى أو العيادة، فإن رحلة التعافي التي تبدأ بعد مغادرة المريض للعلاج التقليدي تعد مرحلة حرجة وحساسة لا تقل أهمية عن فترة العلاج نفسها. إن الدعم المتواصل لمريض السرطان بعد مغادرته المستشفى يعد ضروريًا لتعزيز جودة حياته وضمان استمرارية تعافيه بشكل صحي ومستقر.
أهمية الدعم الاجتماعي والنفسي
غالبًا ما يشعر مريض السرطان بعد انتهاء العلاج بالخوف أو القلق من عودة المرض، وقد يعاني من شعور بالعزلة أو الاكتئاب نتيجة للتغيرات الجسدية والنفسية التي يمر بها. هنا يظهر الدور الحيوي للدعم الاجتماعي والنفسي:
- الدعم الأسري: العائلة تلعب دورًا محوريًا في تقديم الدعم العاطفي لمريض السرطان. يحتاج المريض إلى الشعور بأنه ليس وحده في رحلته وأن هناك من يهتم به ويقدّر جهوده في التعافي.
- المجموعات الداعمة: مشاركة المريض في مجموعات دعم تضم أشخاصًا مروا بتجربة مماثلة يمكن أن تكون مصدرًا قويًا للتشجيع، حيث يمكنهم تبادل الخبرات والتحديات والإنجازات، مما يعزز الثقة بالنفس ويقلل من الشعور بالوحدة.
- العلاج النفسي: من الضروري أيضًا أن يكون هناك دعم نفسي مستمر. فقد يستفيد المريض من جلسات علاجية مع أخصائي نفسي يساعده على التعامل مع المخاوف والضغوط النفسية التي قد تتراكم بعد العلاج.
الدعم الصحي المستمر
بعد مغادرة المستشفى، لا يعني انتهاء العلاج نهاية الرعاية الصحية. هناك حاجة مستمرة للمتابعة مع الأطباء والمختصين لضمان عدم عودة المرض ولرصد أي تغييرات في حالة المريض الصحية.
- الرعاية الوقائية: يجب توجيه المريض إلى أهمية الفحوصات الدورية والتحاليل المستمرة لضمان رصد أي مشاكل صحية في وقت مبكر.
- التغذية السليمة: التغذية جزء أساسي من رحلة التعافي. يمكن للمريض الاستفادة من استشارات غذائية تساعده على الحفاظ على وزن صحي وتقوية جهازه المناعي، ما يسهم في الوقاية من عودة المرض.
- النشاط البدني: الحركة والنشاط البدني المعتدل، مثل المشي أو اليوغا، يمكن أن يساعدا في تحسين الحالة المزاجية والصحية بشكل عام. وقد أثبتت الدراسات أن النشاط البدني يقلل من خطر عودة السرطان ويحسن من نوعية الحياة.
الدعم التعليمي والتوعوي
التوعية المستمرة حول كيفية الحفاظ على نمط حياة صحي يلعب دورًا مهمًا في دعم مريض السرطان بعد العلاج. ينبغي تزويد المرضى بالمعلومات اللازمة حول:
- كيفية التعامل مع الآثار الجانبية للعلاج: من خلال ورش عمل أو منشورات تعليمية، يمكن تزويد المريض بالمعلومات حول كيفية التعامل مع الآثار الجانبية طويلة الأمد التي قد تستمر بعد العلاج، مثل التعب أو الألم أو التغيرات النفسية.
- تعليم المريض وأسرته: تعليم أفراد العائلة كيفية تقديم الرعاية المناسبة للمريض في المنزل وكيفية مراقبة أي علامات قد تشير إلى الحاجة للعودة للطبيب.
التواصل مع المجتمع الطبي
يجب أن يبقى المريض على اتصال دائم مع الفريق الطبي حتى بعد مغادرته المستشفى. يمكن أن توفر تقنيات مثل الطب عن بعد متابعة مستمرة دون الحاجة لزيارة العيادة، ما يسهل على المريض الحصول على الدعم الطبي في أي وقت.
رحلة التعافي
رحلة التعافي بعد علاج السرطان ليست سهلة، لكنها ممكنة ومليئة بالأمل إذا توفر الدعم الصحيح. يشعر المريض بالطمأنينة عندما يعلم أن هناك شبكة دعم قوية تحيط به، وأنه لا يواجه التحديات بمفرده. من خلال توفير الدعم الاجتماعي والنفسي، الرعاية الصحية المستمرة، والتعليم والتوعية اللازمة، يمكن لمريض السرطان أن يحقق تقدمًا كبيرًا في رحلة تعافيه ويعيش حياة مليئة بالرفاهية والصحة.
ختاماً
الدعم بعد علاج السرطان ليس رفاهية، بل هو جزء لا يتجزأ من العلاج نفسه. فتعزيز جودة الحياة بعد مغادرة المستشفى يعد أساسياً لضمان استمرار التحسن الصحي والنفسي للمريض. إن بناء بيئة داعمة تشمل الرعاية الصحية، الدعم النفسي والاجتماعي، والتعليم المستمر يمكن أن تحدث فارقًا كبيرًا في حياة مريض السرطان وتجعله أقوى وأكثر استعداداً لمواجهة المستقبل.
كيف أساعد المريض نفسيًا؟
مساعدة مريض السرطان نفسيًا تتطلب تفهمًا عميقًا لحالته النفسية والعاطفية وتقديم دعم متواصل يمكن أن يخفف من الضغوط النفسية التي يمر بها. إليك بعض الخطوات والطرق التي يمكنك اتباعها لمساعدة المريض نفسيًا:
1. التواجد والاستماع الفعال
- كن حاضرًا دائمًا: مجرد التواجد بجانب المريض يشعره بالاطمئنان. بعض المرضى قد لا يرغبون دائمًا في التحدث، ولكن تواجدك بجانبهم بدون ضغط يمكن أن يمنحهم شعورًا بالراحة.
- استمع دون مقاطعة: أحيانًا يحتاج المريض فقط إلى شخص يستمع إلى مشاعره وأفكاره دون محاولة تقديم حلول أو نصائح. الاستماع الفعّال يُظهر تفهمك واهتمامك.
2. تشجيع التعبير عن المشاعر
- كن داعمًا للتعبير العاطفي: امنح المريض المساحة للتعبير عن مخاوفه، حزنه، أو قلقه. من المهم أن يشعر بأنه مسموح له بالحديث عن مشاعره دون الخوف من الحكم أو الانتقاد.
- لا تقلل من مشاعرهم: بعض المرضى قد يشعرون بالإحباط أو الحزن. لا تقلل من هذه المشاعر أو تحاول تحويلها بسرعة إلى مشاعر إيجابية، بل اعترف بها وأكد أن ما يشعرون به طبيعي ومفهوم.
3. الدعم النفسي من خلال التشجيع
- تعزيز الإيجابية الواقعية: حاول أن تكون إيجابيًا دون تقليل من تحديات المريض. يمكنك تذكير المريض بأوقات النجاح والإنجازات التي مر بها، ولكن تجنب العبارات التي قد تبدو سطحية مثل “كل شيء سيكون بخير”، واستبدلها بتعزيز القوة والقدرة لديه مثل: “أنت قوي وستتمكن من مواجهة هذا”.
- تشجيع الأنشطة المحببة: ساعد المريض على المشاركة في الأنشطة التي يستمتع بها أو تعيد إليه الشعور بالراحة، مثل الرسم، الاستماع إلى الموسيقى، أو قراءة الكتب.
4. تقديم الدعم العملي
- المساعدة في المهام اليومية: قد يواجه المرضى صعوبة في إنجاز بعض المهام اليومية، مثل التسوق أو الأعمال المنزلية. تقديم المساعدة في هذه الأمور يمكن أن يخفف عنهم ويقلل من الشعور بالضغط.
- التواجد في مواعيد الطبيب: قد يشعر المريض بالقلق قبل أو بعد مواعيد الأطباء. مرافقتهم إلى هذه المواعيد أو تقديم الدعم خلال الفحوصات قد يكون مريحًا نفسيًا.
5. تشجيع التواصل الاجتماعي
- عدم العزلة: حاول تشجيع المريض على التواصل مع الأصدقاء والعائلة وتجنب العزلة. حتى إذا لم يكن يرغب في الخروج أو الحديث، يمكن أن يساعد التواصل مع الآخرين في رفع معنوياته.
- الانضمام إلى مجموعات دعم: في بعض الأحيان، يشعر المريض بالراحة عند التحدث إلى أشخاص مروا بتجارب مماثلة. مجموعات الدعم تقدم بيئة آمنة لتبادل المشاعر والخبرات.
6. ممارسة تقنيات الاسترخاء والتأمل
- تشجيع التأمل والاسترخاء: تساعد تقنيات الاسترخاء مثل التأمل، اليوغا، أو التنفس العميق في تقليل التوتر والقلق. يمكنك تشجيع المريض على تجربة هذه الأنشطة أو حتى الانضمام إليه إذا كان يرغب.
- العلاج بالفن والموسيقى: بعض المرضى يجدون في الأنشطة الإبداعية مثل الرسم أو الاستماع إلى الموسيقى وسيلة لتخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر بطريقة غير لفظية.
7. طلب المساعدة المتخصصة
- التشجيع على الحصول على دعم نفسي متخصص: إذا كان المريض يعاني من اضطرابات نفسية حادة، مثل الاكتئاب أو القلق، قد يكون من الضروري تشجيعه على استشارة طبيب نفسي أو أخصائي علاج نفسي. المختص يمكنه تقديم الدعم المهني المناسب لتجاوز هذه التحديات.
8. إعطاء الأمل دون تقديم وعود غير واقعية
- التوازن بين الأمل والواقعية: من الضروري تقديم الأمل، ولكن بطريقة واقعية وغير مبالغ فيها. يمكن تقديم تشجيع حقيقي من خلال الإشارة إلى التحسينات الصغيرة التي يحققها المريض أو إلى نجاحات العلاج دون تقديم وعود غير مضمونة.
9. احترام الخصوصية والمساحة الشخصية
- فهم حدود المريض: قد يمر المريض بأوقات يريد فيها الانعزال أو الصمت. من المهم احترام هذه الأوقات وعدم الضغط عليه للتواصل أو الانخراط في الأنشطة.
10. الاعتناء بنفسك أيضًا
- لا تنسى نفسك: الاعتناء بمريض السرطان يمكن أن يكون مرهقًا نفسيًا وجسديًا. تأكد من أنك أيضًا تحصل على الدعم الكافي لنفسك، سواء من خلال الاستراحة أو التحدث مع مستشارين أو أصدقاء.
واجب انساني
مساعدة مريض السرطان نفسيًا تتطلب فهمًا عميقًا لاحتياجاته العاطفية والشخصية. بالتواجد، الاستماع الفعال، تقديم الدعم العملي، وتشجيع الأنشطة الترفيهية والاجتماعية، يمكن أن تكون ركيزة قوية في رحلته نحو التعافي النفسي والجسدي. دعمك المتواصل والصادق يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياته ويمنحه القوة والأمل لمواجهة التحديات المقبلة.
bassam@balsamhealthcare.com