بقلم: د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
يعتقد البعض أن رحلة الحياة تسير في خط مستقيم، وأن الانتقال من مكان إلى آخر أو تغيير المسار قد يكون في غير صالح الشخص. لهذا، نرى أن نسبة لا بأس بها من أفراد المجتمع يبقون في ذات المسار الذي تدفعه من الخلف تيارات هوائية. وفي بعض الأحيان، يتوقف الشخص عن المسير بانتظار قوة دافعة، معتقدًا أن في خط سيره هذا تتراكم الأعباء الخارجية والداخلية بحيث لا يعود يرى إلا كرة الثلج التي تتراكم تدريجيًا مع مرور الوقت. للأسف، أقول إن مثل هذا الشخص يسيطر عليه التفكير السلبي، وبأن الحظ لا يحالفه، وأنه قد بات عاجزًا ليس عن السير بل عن التفكير. وهنا يكمن الخطر، وتكمن الفرصة أيضًا.
في عالم مليء بالتحديات والتقلبات، قد تبدو المجازفة فكرة مرعبة. نميل جميعًا إلى البحث عن الأمان والاستقرار، متجنبين المخاطر قدر الإمكان. ولكن، ماذا لو كانت المجازفة هي الطريق الحقيقي للأمان؟ ماذا لو كانت لعبة النرد التي نلعبها في حياتنا لا تعتمد على الحظ، بل على امتلاكنا للثقة عند الإمساك بالنرد؟
إدارة حياتنا الصحية:
فيما يتعلق بحياتنا الصحية، نجد أنفسنا أحيانًا لا نذهب إلى الطبيب في حالة الصحة بل حينما يشتد المرض. البعض يضع حاجزًا بينه وبين الطبيب، معتقدًا بأن المجهول أفضل من المعلوم، وبأنه إذا ذهب إلى الطبيب سيكتشف مرضًا ما، فلماذا يضع نفسه في هذا الموقف؟
يجد البعض أنهم عالقون في عادات غير صحية فقط لأنهم يخشون التغيير. المجازفة هنا تعني تجربة نظام غذائي جديد، بدء برنامج رياضي، أو حتى اتخاذ خطوات نحو صحة عقلية أفضل مثل الاستشارة النفسية.
الثقة في قدرتنا على تحسين صحتنا هي المفتاح. عندما نمسك مفاتيح الصحة نكتشف طرقاً أخرى تساعدنا إلى الوصول إلى الضفة الأخرى حيث تكمن الصحة ، حينها ندرك أن كل مجازفة نتخذها لتحسين صحتنا تجعلنا أقوى وأكثر حيوية.
بناء العلاقات الاجتماعية:
في علاقاتنا الاجتماعية، قد نخشى من فتح قلوبنا للآخرين خوفًا من الرفض أو النظر إلينا بنظرة سلبية. لكن المجازفة هنا تعني الإيمان بأن بناء علاقات صحية يستحق المخاطرة. من خلال الثقة في أنفسنا وفي قدرتنا على التواصل بصدق وإخلاص، نجد أن علاقاتنا تزدهر. لا تخف من المبادرة بالتواصل، أو التعبير عن مشاعرك بصدق. تذكر أن كل خطوة نحو بناء علاقة قوية تبدأ بمجازفة.
النجاح في الحياة العملية:
في حياتنا العملية، قد نخشى من تغيير وظيفتنا الحالية، أو البدء في مشروع جديد، أو حتى التعبير عن أفكارنا في مكان العمل. لكن الثقة في أنفسنا هي ما يجعلنا نتحرك نحو النجاح.
المجازفة هنا تعني الاستعداد لمواجهة الفشل والتعلم منه، والاستمرار في المحاولة حتى نحقق أهدافنا. تذكر أن كل نجاح كبير يبدأ بخطوة جريئة. حينما يرسل لك مديرك رسالة إنهاء الخدمات، تذكر أنه يساعدك على اكتشاف فرصة أخرى في الحياة، أو أنك في المكان الخطأ، وعليك حينئذ أن تكتشف ذاتك من جديد.
منطقة الراحة
هناك من يعتقد أنه ليس لدي حظ على الإطلاق ، ويشبه حياته بلعبة النرد ، دون أن يدرك بأن من يربح في لعبة النرد هو من يمسك بالنرد بثقة قبل رميه ، ويعرف كيف يرميه .
لنتذكر أن المجازفة هي القوة التي تدفعنا للخروج من منطقة الراحة. هي النار التي تشعل فينا الرغبة في تحقيق أحلامنا وتجاوز حدود المألوف. عندما نجازف، نكتشف أبعادًا جديدة لأنفسنا، ونكتشف قدرات لم نكن نعلم بوجودها. نحن ننمو، نتعلم، ونتحول.
لذا، دعونا نحتضن المجازفة ونعتبرها جزءًا أساسيًا من رحلتنا نحو الأمان. لنلعب لعبة النرد بثقة، ونتذكر أن النتائج ليست مجرد مسألة حظ، بل هي انعكاس لثقتنا بأنفسنا وإيماننا بقدرتنا على تحقيق أهدافنا. في النهاية، المجازفة هي الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى الأمان الحقيقي، لأنها تعلمنا كيف نواجه الحياة بشجاعة وثقة، وتجعلنا ندرك أن الأمان ليس في البقاء في مكاننا، بل في التحرك نحو مستقبل أكثر إشراقًا وصحة وعلاقات ونجاحًا في حياتنا العملية.