الطب مهنة إنسانية ،نهج مختلف وثقافة مؤسساتية
د.بسام درويش
مستشار الإعلام الصحي والتطوير الطبي
bassam@balsamhealthcare.com
ترتبط الصحة بجودة الحياة ، ورغم مرور سنوات عديدة على تغيير تعريف الصحة ” الصحة لا تعني غياب المرض ، بل هي حالة من الرفاهية ، ومن تكامل وتضافر مختلف العوامل الجسدية والنفسية ، والاجتماعية والاقتصادية ” ، ولكن هذا المفهوم ما زال مجرد شعار يعلق على الجدار في عدد من المراكز الطبية والمستشفيات . و ما يحدث أن التركيز يتم على ” استقطاب المريض الذي يعامل كزبون أو عميل ” ، دون الاهتمام بما يسمى ” خدمة ما بعد البيع ” ، التي تعتبر الأكثر أهمية في المحافظة على هذا ” المريض – العميل ” .
و لكي تتحول تلك الشعارات الى واقع ملموس ، لا بد أن تصبح ثقافة مؤسساتية في أي مستشفى كبير أو عيادة صغيرة .
كيف ؟
تتطلب أنظمة الرعاية الصحية الحديثة نهجاً مختلفاً يرتكز على تطوير ثقافة مؤسساتية تعيد الاعتبار لمهنة الطب كواحدة من أرقى المهن الإنسانية، غايتها الأساسية تحسين جودة حياة الأصحاء والمرضى على حد سواء. إن هذا النهج يتطلب التركيز على أهمية التواصل الفعّال والإنساني مع الزائر لأي عيادة أو مستشفى، ليس فقط لأغراض التسويق للخدمات وجلب الزبائن (أي المرضى)، بل يمتد ليشمل ما بعد مغادرته المستشفى.
أهمية التواصل الفعّال والإنساني
التواصل الفعّال والإنساني مع المرضى هو جوهر الرعاية الصحية الجيدة. يجب أن يشعر المريض بالاهتمام والرعاية منذ لحظة دخوله إلى المستشفى وحتى بعد مغادرته. هذا النوع من التواصل يتجاوز مجرد تقديم الخدمات الطبية الأساسية؛ إنه يتطلب بناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل. يمكن أن يساهم التواصل الجيد في تقليل القلق والتوتر لدى المرضى، وتحسين نتائج العلاج، وزيادة رضاهم عن الخدمة المقدمة.
وهنا تكمن لدينا فجوة في التواصل اللغوي و في فهم العادات والتقاليد ، و في عدم منح المريض الوقت الكافي ليفهم حالته الصحية ، ودوره في التعافي ونجاح الخطة العلاجية ، وما يحدث في كثير من الأحيان ان المريض يدخل الى عيادة الطبيب مثلا ، وفي ذهنه خمس أسئلة تحتاج الى إجابات شافية ، ويخرج من عيادة الطبيب ، وفي ذهته عشر أسئلة جون إجابات ، لهذا يلجأ إلى محرك البحث ” جوجل او أخواته ” ووسائل التواصل الاجتماعي ، وهنا تتفاقم المشكلة ، لأن المعلومات التي يحصل عليها قد لا تكون صحيحة ، وقد تكون مضللة .
الفجوة في خدمات ما بعد الرعاية
إحدى المشكلات الكبيرة والفجوات التي يجب ردمها في أنظمة الرعاية الصحية هي نقص الاهتمام بخدمات ما بعد الرعاية. في الكثير من العيادات والمستشفيات، بعد أن يدفع المريض الفاتورة ويغادر، لا يوجد من يهتم به أو يرسل له رسالة مطمئنة أو تقريره الطبي. هذا النقص في المتابعة يمكن أن يؤدي إلى شعور المريض بالإهمال ويقلل من فعالية العلاج الذي تلقاه.
أهمية خدمات ما بعد الرعاية
خدمات ما بعد الرعاية تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة، بدءًا من إرسال تقارير طبية محدثة وتوجيهات للعناية الذاتية، وصولاً إلى التواصل الشخصي للاطمئنان على حالة المريض. هذه الخدمات لا تعزز فقط من رضا المريض وثقته بالمؤسسة الصحية، بل يمكنها أيضًا تحسين النتائج الصحية بشكل عام. عندما يشعر المريض بأنه محل اهتمام ورعاية حتى بعد مغادرته، يصبح أكثر التزامًا بتعليمات الأطباء وأكثر استعدادًا لمتابعة العلاج.
تطوير ثقافة مؤسساتية تركز على المريض
لتطوير أنظمة الرعاية الصحية بشكل فعّال، يجب تبني ثقافة مؤسساتية تركز على المريض في كل الجوانب. هذا يعني تشجيع جميع العاملين في المؤسسة الصحية على تبني قيم الإنسانية والرحمة في تعاملهم مع المرضى. يجب أن يكون هدف الجميع، بدءًا من الأطباء والممرضين وصولاً إلى العاملين في الإدارات المختلفة، هو تحسين جودة حياة المرضى والأصحاء.
يمكن تحقيق هذا التطوير من خلال التدريب المستمر للعاملين على مهارات التواصل الفعّال والإنساني، ووضع أنظمة تضمن المتابعة الدورية لحالة المرضى بعد مغادرتهم، وتبني تكنولوجيا حديثة تسهل عملية التواصل وتقديم الرعاية. كما يجب تعزيز الوعي بأهمية هذا النهج من خلال حملات توعية داخلية تشجع العاملين على النظر إلى مهنة الطب كواحدة من أنبل المهن الإنسانية.
خريطة طريق
في الختام، يتطلب تطوير أنظمة الرعاية الصحية نهجاً مختلفاً يركز على الإنسانية والتواصل الفعّال مع المرضى. من خلال تبني ثقافة مؤسساتية تضع المريض في المقام الأول، يمكننا تحسين جودة الرعاية الصحية وتعزيز رضا المرضى وثقتهم بالخدمات المقدمة. هذه الثقافة لا تنعكس فقط في جودة الخدمة التي يتلقاها المريض خلال وجوده في المستشفى، بل تمتد لتشمل الرعاية والاهتمام الذي يحصل عليه بعد مغادرته، مما يسهم في بناء علاقة طويلة الأمد مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.