د.بسام درويش
لا تنظر إلى الساعة الثمينة التي يتزين بها معصمك، ولا تحاول أن توقف الزمن. فالزمن يسيل ولا يعود إلى الوراء ، كما أبدع في التعبير عن ذلك الفنان العالمي سلفادور دالي في لوحته الشهيرة “الزمن يسيل”. هذه اللوحة تجسد فكرة أن الزمن، مثل الماء، يتدفق باستمرار، غير عابئ بما يدور حوله. إنها دعوة للتأمل في طبيعة الزمن وكيف نختبره في حياتنا اليومية ، وكيف نرسم من مداده لوحة الحياة التي يستحقها كل واحد منّا .
يُعتبر الزمن من العناصر الأساسية التي تشكل تجربتنا الإنسانية. فهو يحدد مسار حياتنا، يفرض علينا قيودًا، وفي الوقت نفسه يحررنا. فمع كل لحظة تمر، نصبح أكثر وعياً بأن الزمن هو شيء لا يمكننا السيطرة عليه. إن محاولتنا لتوقيفه أو إبطائه هي مجرد وهم، يمكن أن نعيشه لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما نجد أنفسنا نعود إلى واقع يتطلب منا الانغماس في تدفق الحياة.
عندما ننظر إلى ساعاتنا، قد نشعر بالتوتر والقلق من أن الوقت ينفد. ولكن ماذا لو بدلنا هذا التفكير وركزنا على قيمة اللحظة الحالية؟
كل ثانية تحمل في طياتها إمكانيات جديدة، تجارب جديدة، ومشاعر جديدة. فنحن، ككائنات بشرية، نمتلك القدرة على أن نصنع من كل لحظة ذكرى تدوم.
دعنا نتأمل في ما تعنيه هذه الكلمات “تجربة الزمن” من منظور فلسفي. إن مفهوم الزمن لا يرتبط فقط بالسنوات والأشهر والأيام، بل إنه أيضًا يتعلق بكيفية عيش تلك اللحظات. فقد نجد أنفسنا في لحظات معينة نعيش تجربة الزمن بشكل مختلف. على سبيل المثال، عندما نكون محاطين بالأحبة من حولنا ، يبدو أن الوقت يتوقف، وتمر اللحظات بسرعة، مما يجعلنا نشعر بالفرح.
سلفادور دالي، من خلال فنه، ألهمنا لنفكر في الزمن بطرق جديدة. لوحته “الزمن يسيل” تبرز فكرة أن الزمن يتغير باستمرار، تمامًا كما تتغير المشاعر والأفكار. إن الأشكال السائلة التي تظهر في اللوحة ليست مجرد تصوير للزمن، بل تعبير عن كيفية تأثير الزمن على حياتنا. كل انحناءة، كل تدفق، يرمز إلى تلك اللحظات التي تتلاشى بينما نعيشها.
لكننا نواجه أحيانًا مقاومة لقبول هذه الفكرة. نرغب في أن نثبت الزمن في مكانه، في أن نستمر في الاحتفاظ بلحظات الفرح، الحزن، والانتصار. إن فقداننا لهذه اللحظات يمكن أن يسبب لنا شعورًا بالفقدان. ولكن هل يمكن أن نرى هذا الفقدان كجزء من الحياة؟ في الواقع، إن كل لحظة تُعد تجربة فريدة، وعلينا أن نكون شاكرين لها.
إن السعي للسيطرة على الزمن يمكن أن يكون محبطًا، لكنه يمكن أن يعلمنا أيضًا قيمة العيش في الحاضر. لذا، بدلاً من التفكير في كيفية إبطاء الزمن أو إيقافه، يمكننا التركيز على كيفية الاستمتاع بكل لحظة. يمكن أن تكون هذه اللحظات بسيطة، مثل تناول فنجان من القهوة في الصباح، أو الاستماع إلى أغنية تحبها، أو مجرد التأمل في جمال الطبيعة.
عندما نتعلم أن نعيش اللحظة، نبدأ في إدراك أن الزمن ليس عدوًا، بل رفيقًا. إنه عنصر حيوي يشكل تجاربنا. كما أن الفرح لا يتطلب منا الكثير من الجهد، بل يتطلب منا ببساطة أن نكون واعين لتجاربنا اليومية.
دعونا نتأمل التجاعيد التي قد نراها كعلامات للشيخوخة. هذه التجاعيد ليست دليلاً على أن الوقت قد مضى، بل هي تجسيد للذكريات. كل خط منها يحكي قصة، سواء كانت قصة ضحكة، أو دمعة، أو لحظة مميزة في الحياة. هذه العلامات لا تعني نهاية شيء، بل تعني بداية شيء آخر.
وبهذا، يمكننا أن نتقبل فكرة أن الزمن يسيل، وأنه جزء لا يتجزأ من تجربتنا. بدلاً من محاولة إيقافه، دعونا نحتضن تدفقه. لنستمتع بكل لحظة، ولنجعل من كل نبضة قلب تجربة فريدة. لأن الحياة ليست مجرد مرور الوقت، بل هي ما نعيشه خلال تلك اللحظات.
عندما نتبنى هذا الفهم، نبدأ في تجربة الحياة بشكل أعمق. إن السعادة لا تكمن في كمية الوقت الذي نملكه، بل في جودة اللحظات التي نعيشها. لذا لا تنظر إلى الساعات الثمينة ، واسمح لنفسك بالاستمتاع بتجربة الحياة بكل ما فيها من تدفق وحيوية. الزمن يسيل، ولكنه يحمل في طياته جمال الحياة، وهو ما يجعل كل لحظة تستحق العيش.