في كل عام، وفي الرابع عشر من نوفمبر، يتكرر الحديث عن “اليوم العالمي للسكري”، وتنتشر العبارات التي تقول “نحتفل باليوم العالمي للسكري”.
أتساءل هنا، بماذا نحتفل ولماذا؟
هل تناقصت أعداد المصابين بمرض السكري؟
هل تراجعت نسبة المصابين بقصور الكلى أو العمى أو اعتلال الأعصاب السكري؟
هل قلت حالات بتر القدم والأطراف أو انخفضت وفيات القلب الناتجة عن السكري؟
أم أن هذه المناسبات تمر دون تحقيق أي تغير حقيقي في مواجهة المرض؟
لقد بتروا رجلي
من المهم أن نتساءل إذا ما كان السكري هو معركة يمكننا كسبها والسيطرة عليها، وإن كان بالإمكان تشخيص الحالات المسبقة للسكري في وقت مبكر. أتذكر حادثة مؤثرة لمريض بالسكري كنت أنصحه بضرورة الرعاية الصحية المستمرة وأرسلته إلى طبيب استشاري كيلا يصل به الأمر إلى بتر ساقه. لكنّه لم يلتزم بالنصائح، وكانت النتيجة صادمة عندما اتصل بي بعد عودته من الخارج وأخبرني:
“لقد بتروا رجلي”.
هذا السيناريو يتكرر مع آلاف المرضى الذين يتجاهلون حالتهم الصحية لأسباب مختلفة، مما يزيد من أهمية نشر التوعية الصحية بطريقة مبتكرة وفعالة.
الترويج للصحة بطريقة مبتكرة ومستدامة
نحن بحاجة إلى الترويج للصحة بأساليب جديدة تعكس الدروس التي تعلمناها من محاولات التوعية السابقة والتي لم تحقق النجاح المطلوب. إن الاعتراف بالتحديات والقصور خطوة نحو الأمام؛ إذ ينبغي علينا أن نوحد الجهود من مؤسسات حكومية وخاصة، وجمعيات خيرية، ومؤسسات تعليمية وإعلامية، وحتى المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. فالتكلفة البشرية والمادية للسكري ومضاعفاته هائلة، وتعد تكلفة الوقاية منه ضئيلة بالمقارنة. قبل سنوات خُصصت ميزانية كبيرة في المملكة العربية السعودية ، لإنشاء قناة تلفزيونية صحية للتوعية بمرض السكري، إلا أن المشروع لم ير النور، ومنذ سنوات عديدة اصدرنا مجلة ” السكري في الخليج ” ، وتوقفت بسبب نقص التمويل ، وهذا دليل آخر على أننا بحاجة إلى توجيه جهودنا بشكل أفضل نحو الوقاية والتوعية المستدامة.
وحينما أطلقنا مبادرة ” بلا سكر أحلى “ لم تلق الدعم سوى من المدير الإقليمي السابق لمنظمة الصحة العالمية الدكتور أحمد المنظري ، الذي لديه شغف بأهمية التوعية والوقاية وإدارة الحالة الصحية لكي تتحسن الصحة وجودة الحياة ، وبعض الطبيبات المتطوعات في هذه المبادرة .
هل تحقق الحملات أهدافها ؟
تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن السعودية لديها ثاني أعلى معدل إصابة بالسكري في الشرق الأوسط والسابع على مستوى العالم. أظهرت الدراسات أن 52% من المصابين بالسكري من النوع الثاني يموتون لأسباب متعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لذا وضعت المملكة هدفًا يتمثل في الوصول إلى “صفر” حالة وفاة بسبب السكري بحلول عام 2025، مع تقليل حالات الإصابة بنسبة 10% بحلول 2030. لتحقيق ذلك، أطلقت المملكة حملات وبرامج صحية تركز على تشجيع الفحص المستمر والتدخل المبكر من خلال تعديل نمط الحياة وتوفير عيادات التغذية.
ونأمل ان تتحقق هذه الأهداف ، ونأمل أن نعيد التفكير في التخطيط الصحيح لحملات التوعية الصحية ، وفي تقييم الحملات السابقة ومعرفة سبب فشلها .
السكري في منطقتنا:
واقع مرير يتطلب تكاتف الجهود
في منطقتنا العربية يُصاب تقريبًا شخص واحد من بين كل أربعة أشخاص بالسكري، ومن بينهم الكثيرون لا يدركون إصابتهم أو أنهم في مرحلة ما قبل السكري.
السكري ليس مجرد مرض يؤثر على الأفراد، بل هو قضية مجتمعية تتطلب تعاونًا واسعًا ومسؤولية مشتركة. ومع ازدياد انتشار السكري عالميًا، خصوصًا النوع الثاني المرتبط بنمط الحياة، يجب أن نطبق نموذجًا مجتمعيًا للوقاية والتوعية والتثقيف حول السكري. هذا النموذج يهدف إلى تعزيز الاستجابة الجماعية وتمكين الأفراد والمجتمعات من تبني عادات صحية واتخاذ خطوات استباقية.
العناصر الأساسية لبرنامج توعية ناجح حول السكري
لتكون التوعية فعّالة في مواجهة السكري، يجب أن تكون شاملة، تشمل أنظمة دعم مجتمعية وسهولة الوصول إلى الموارد، وتتطلب تعاونًا جماعيًا لتحقيق نتائج ملموسة. فيما يلي العناصر الأساسية لبناء برنامج توعية ناجح حول السكري:
1. التفاعل المجتمعي والمشاركة الجماعية:
تبدأ التوعية الناجحة بفهم الاحتياجات الثقافية والاجتماعية للمجتمع، مما يستدعي إشراك أفراد المجتمع وقادته في مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم. عندما يشعر المجتمع بالمسؤولية عن البرنامج، تزداد فرص المشاركة ويصبح التأثير أكثر عمقًا.
2. تثقيف يتماشى مع الثقافة المحلية:
من الضروري أن تكون الرسائل التوعوية مرنة ومصممة لتناسب اختلافات المجتمع. يشمل ذلك توفير المعلومات بلغات متعددة، وفهم العادات الغذائية المحلية، وتقديم التوجيه بطريقة تتماشى مع الثقافة. عندما يشعر الناس بأن الرسائل ملائمة لهم، تزداد فرص التغيير الإيجابي.
3. تسهيل الوصول إلى الموارد وشبكات الدعم:
توفر برامج التوعية الصحية الناجحة فحوصات واستشارات طبية، إلى جانب مواد تعليمية تساعد الناس على اتخاذ خطوات استباقية في إدارة السكري. بناء شبكات دعم في المجتمع، مثل مجموعات الدعم ونوادي الصحة، يساعد الأفراد على الالتزام بالرعاية الصحية.
4. دعم العائلة والشبكات الاجتماعية:
السكري ليس مسؤولية فردية، بل هو تحدٍ يتطلب دعم الأسرة والأصدقاء. من خلال تثقيف أفراد الأسرة، يمكنهم تقديم الدعم للمريض، مما يعزز الالتزام بالعادات الصحية ويساهم في تحسين حياة المريض.
5. تشجيع النشاط البدني وتوفير بيئة غذائية صحية:
يلعب النظام الغذائي والنشاط البدني دورًا حاسمًا في الوقاية من السكري وإدارته. يمكن للبرامج التعاون مع المدارس والشركات لتشجيع خيارات غذائية صحية وتوفير فرص للنشاط البدني، مثل تنظيم الفعاليات الرياضية ودروس الطهي الصحي.
6. المتابعة المستمرة وتقديم التغذية الراجعة:
يجب أن تسهل برامج التوعية الصحية المتابعة الدورية، من خلال الفحوصات المنتظمة ومراقبة مستويات السكر في الدم وتقديم تقييمات للتقدم. توفر هذه الخطوات التغذية الراجعة التي تحفز الناس على الاستمرار.
نموذج تعليمي فعّال للسكري:
نحو تأثير طويل الأمد
النموذج التعليمي المجتمعي هو الأكثر فعالية لمواجهة السكري، حيث يركز على الوقاية والإدارة بطريقة جماعية، ويجمع بين الأساليب التفاعلية والتكنولوجية الحديثة التي تضمن استدامة التعلم والتأثير. إليكم عناصر هذا النموذج:
1. التعليم التفاعلي والعملي:
التعليم العملي مثل ورش الطهي والأنشطة الرياضية يتفوق على المحاضرات النظرية في تعزيز التغيير. تتيح هذه الأنشطة للمشاركين اكتساب مهارات قابلة للتطبيق الفوري، مما يعزز الالتزام.
2. التعاون مع أفراد المجتمع والعاملين الصحيين:
عندما يتولى أشخاص من المجتمع قيادة جلسات التوعية، يزيد شعور المشاركين بالدعم ويزيد تفهمهم للمعلومات. يمكن للعاملين الصحيين المدربين تقديم نصائح مخصصة، مما يزيد من فعالية الرسائل الصحية.
3. الاستفادة من التكنولوجيا:
التطبيقات الصحية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي ، ومجموعات الدعم عبر الإنترنت، والتذكيرات عبر الرسائل النصية تتيح تفاعلًا مستمرًا مع الأفراد. ويمكن لهذه الأدوات تقديم نصائح ومتابعة التطور الصحي بشكل مريح وفعال، خاصةً في المناطق الريفية.
4. تمكين الأفراد وتعزيز الثقة بالنفس:
التعليم حول السكري يجب أن يركز على تمكين الأفراد، من خلال تقديم دعم يعزز من ثقتهم في قدرتهم على التحكم بصحتهم. الأشخاص الذين يشعرون بالثقة في قدرتهم على إدارة السكري يلتزمون بالتوجيهات الصحية بشكل أكبر.
5. التوعية في المدارس وأماكن العمل:
المدارس وأماكن العمل توفر بيئة مثالية للتوعية حول السكري. إدماج التوعية الصحية في المدارس يغرس العادات الصحية في وقت مبكر، بينما تشجع البرامج في أماكن العمل على اتباع نمط حياة صحي وتقليل مخاطر الإصابة بالسكري.
دمج التثقيف الصحي ضمن المناهج التدريسية بطريقة مبتكرة ، يؤسس لثقافة صحية منذ الصغر ، لأن التوعية في الصغر تعني صحة وحيوية ووقاية في الكبر.
قياس النجاح: تقييم الأثر المجتمعي
يجب تقييم أثر البرامج من خلال تحسن المعرفة الصحية، وتغير السلوكيات الصحية، وانخفاض معدلات الإصابة بالسكري. يشمل ذلك تقييم انخفاض حالات دخول المستشفيات المتعلقة بالسكري وزيادة النشاط البدني وتحسن العادات الغذائية. يساعد تقييم ملاحظات المشاركين والمجتمع على تحسين البرنامج وتكييفه وفقًا للاحتياجات.
السكري مسؤولية مشتركة
السكري ليس تحديًا فرديًا، بل هو قضية مجتمعية تتطلب تعاون الجميع. من خلال نشر التوعية، واستخدام التكنولوجيا، وبناء بيئات داعمة، نستطيع أن نجعل الوقاية من السكري واقعًا ملموسًا. رسالتنا هي أن السكري ليس حتميًا، وأن بإمكاننا مواجهته سويًا لضمان مستقبل صحي لجميع الأفراد.