بقلم: د. بسام درويش مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
في مسرح الحياة، حيث يمضي الزمن بتناغم في خطواته ، يتراقص “بندول “عقارب الساعة ، مثل رقصة زوربا في رواية كازانتزاكيس، تلك الرقصة التي تحتفي بالحياة بقدر ما تواجه قسوتها، ترسم معالمها إيقاعات متسارعة، ثم تنهار فجأة في صمت يعيدنا إلى الحقيقة الصادمة. الزمن، مثل هذه الرقصة، يمضي دون هوادة، تاركًا خلفه أنفاسًا لاهثة تحاول اللحاق بما فات، بينما دروب الحياة تمضي بلا توقف. نحاول الإمساك بلحظاتنا كما لو كانت دررًا ثمينة تتساقط من بين أيدينا. الزمن، ينساب كالماء بين أصابعنا، يذوب في تفاصيل يومياتنا كما تذوب معالم لوحة “الزمن يسيل” لسلفادور دالي، يذكرنا بأن اللحظة التي نعيشها الآن هي كل ما نملك، وأن ماضينا ومستقبلنا لا يمكننا سوى التأمل فيهما من بعيد. في زحام الإنجاز والطموح، نغرق في تفاصيل حياتنا، متجاهلين أنفسنا وأرواحنا، حتى نصحو ذات صباح على ملامح أثقلها الزمن وآثار التعب. نقف أمام المرآة لا لنتأمل وجوهنا فقط، بل لنبحث عن ذواتنا التي أضعناها في دوامة التوتر واللهاث وراء المادة . وحينها نسأل أنفسنا: هل يمكننا حقًا إيقاف الزمن، إعادته إلى الوراء، أو إصلاح ما فات؟ لنتذكر أن القطار لا يعود إلى الوراء كما الزمن . ورغم هذا الإدراك المؤلم، يظل الأمل شعلة لا تنطفئ. ليس الهدف أن نعيد عقارب الساعة، بل أن نعيد اكتشاف علاقتنا بالزمن. أن نتعلم كيف نبطئ إيقاع الحياة في عالم متسارع، كيف نعيش اللحظة الراهنة بكل وعي وسلام داخلي، وكيف نمنح أنفسنا حق التنفس وسط فوضى الأيام. التوتر، ذلك الضيف الثقيل الذي يتسلل إلى كل زاوية من حياتنا، ليس قدرًا محتوماً. بل يمكننا أن ننظر إليه كرسالة خفية، تدعونا لإعادة ترتيب أولوياتنا، لا بنبذ الزمن، بل بالتناغم معه. إذا تعلمنا كيف نواجهه برفق وعقلانية، يمكننا تحرير أرواحنا من قبضته، ونستعيد طاقتنا لنعيش اللحظة ونتذوق الحياة كما تستحق، مليئة بالحب والسلام الداخلي.
ليست معركة مع الزمن، بل رحلة عميقة نحو مصالحة الذات مع تفاصيل الحياة. هل فات الأوان ؟ الأوان لم يفت بعد ، ما دمنا نسمع هدير القطار ، دعونا نسمع لصوتنا الداخلي ونتأمل تلك الهضاب والأشجار عبر نافذة القطار ، إنها دعوة مفتوحة لنعيش بوعي، ونترك الزمن ينساب دون أن يسلب منا جوهر وجودنا. يُعتبر التوتر رفيقًا ثقيلًا للحياة الحديثة، يتسلل إلى تفاصيلها دون استئذان، ليترك أثره على عواطفنا وسلوكنا وأجسادنا. تبدأ رحلته غالبًا بتغيرات دقيقة في مشاعرنا، تتفاقم مع الوقت إذا لم نتعامل معها بحكمة. المظاهر العاطفية التوتر يؤثر على مشاعرنا بطرق متعددة، منها: • الشعور بالعصبية والغضب أو الميل للبكاء. • الإحساس بالقلق أو الإحباط وفقدان الحافز. • انخفاض الثقة بالنفس وردود فعل عاطفية مفرطة. المظاهر الجسدية
صداع متكرر وآلام في العضلات.
اضطرابات في المعدة وظهور طفح جلدي.
ارتفاع ضغط الدم وأعراض مثل الغثيان والدوار. التغيرات السلوكية
إهمال المهام و وعدم الالتزام او انجاز المسؤوليات.
العمل لساعات طويلة دون راحة.
الابتعاد عن الأنشطة الاجتماعية والهوايات. التوتر في مكان العمل: التحديات المتزايدة بحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني ما يقارب 77% من الموظفين من التوتر المرتبط بالعمل، مما يؤدي إلى خسائر إنتاجية تُقدر بمئات المليارات سنويًا. التحديات الرئيسية تشمل:
عبء العمل المرتفع وعدم وضوح المسؤوليات.
سوء الإدارة ونقص الدعم من الزملاء.
التنمر أو التحرش والتمييز في بيئة العمل.
الخوف من فقدان الوظيفة أو التغييرات الهيكلية. تأثير التوتر على الشيخوخة في دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة ييل، تبين أن التوتر المزمن يُسرّع عملية الشيخوخة البيولوجية، حيث أظهرت أن الأشخاص الذين يعانون من توتر مستمر يظهرون علامات الشيخوخة المبكرة بمعدل أعلى بـ 40%. كما تبين أن أولئك الذين يتمتعون بمهارات تنظيم المشاعر والتحكم الذاتي أقل عرضة لهذا التأثير السلبي. إحصائيات عالمية حول التوتر
يعاني 1 من كل 4 أشخاص من التوتر المزمن عالميًا.
60% من الأمراض المزمنة مرتبطة بالتوتر المستمر.
يؤدي التوتر في العمل إلى انخفاض الإنتاجية وخسارة اقتصادية عالمية تتجاوز 300 مليار دولار سنويًا. كيفية التعامل مع التوتر: استراتيجيات عملية
حدد مسببات التوتر ابدأ بتحديد ما يسبب التوتر في حياتك اليومية. قم بتدوين هذه المواقف وحاول معالجتها تدريجيًا.
تعزيز المهارات النفسية
التنفس العميق: قم بأخذ أنفاس طويلة وبطيئة لتقليل التوتر.
التفكير الإيجابي: سجل ثلاث أشياء تشعر بالامتنان تجاهها يوميًا.
تقنيات CBT: جرب العلاج السلوكي المعرفي لتغيير نظرتك للمشكلات.
اهتم بصحتك البدنية
مارس الرياضة بانتظام وأضف دقائق بسيطة من الحركة ليومك.
تناول وجبات غذائية متوازنة واشرب كميات كافية من الماء.
التوازن بين العمل والحياة حدد حدودًا واضحة ليومك العملي، خاصة إذا كنت تعمل من المنزل. امنح نفسك وقتًا للاسترخاء والاستمتاع بالأنشطة التي تحبها.
تحدث مع الآخرين مشاركة مشاعرك مع شخص تثق به يمكن أن يكون مريحًا. إذا لزم الأمر، اطلب المساعدة من مستشار نفسي أو طبيب مختص.
التخطيط المسبق قم بوضع خطة واضحة لأيام العمل المزدحمة أو الأحداث المهمة، مع التركيز على المهام القابلة للتحقيق. نافذة أمل وتأمل لنعيد التأمل في لوحة ” الزمن يسيل ” لسلفادور دالي، وننظر في مرآة النفس الصافية ، حيث تتجلى فكرة أن الزمن ليس كيانًا صلبًا، بل حالة مرنة، يمكننا تشكيلها بوعينا وهدوئنا. و رغم تناقضات الحياة ، يمكننا أن نتحرك ونعيد توزيع موسيقى الروح ، كما زوربا على إيقاعات الحياة المتناقضة، بين الفرح والحزن، يمكننا نحن أيضًا أن نختار كيف نتفاعل مع عقارب الزمن المتسارعة. قالت الباحثة راجيتا سينها: “التوتر يجعلنا نكبر أسرع، لكنه ليس عدوًا لا يمكن التغلب عليه”. هذه الكلمات هي نافذة أمل تدعونا للتأمل في طرق مواجهة هذا العدو الصامت. التوتر ليس مجرد تحدٍ، بل فرصة لإعادة اكتشاف ذواتنا، لإعادة صياغة علاقتنا مع الزمن، ولتعلم فن التوازن بين الحلم والواقع، بين الطموح والراحة. الحياة مليئة بالتحديات، لكن إدارتها بوعي تجعلنا أكثر قوة وسعادة. لنكن مثل الفنان الذي يرى الجمال في تفاصيل لوحته، ويعيد رسم خطوطها ليخلق منها عملاً متناسقًا. فلنبدأ اليوم بإبطاء إيقاع الحياة السريع، مستعيدين توازننا النفسي والجسدي، ولنغرس بذور الراحة والرضا في حديقة أيامنا. هي ليست دعوة للتوقف، بل دعوة للانسجام مع تيار الحياة، لنتذوق الزمن وهو ينساب برفق، ولنتعلم كيف نصنع من التوتر طاقة لبناء أنفسنا. الزمن يسيل ، لكن الوعي يبقى. فلنجعل منه أداة لعيش اللحظة الراهنة بكل ما فيها من جمال وإنسانية . bassam@balsamhealthcare.com