د.بسام درويش
مستشار الإعلام الصحي والتطوير الطبي
يشهد الطب تطورًا يوميًا، ومع ذلك المناهج التدريسية شبه ثابتة منذ عقود، فهل آن الأوان لإعادة التفكير في مناهجنا الدراسية، بدءًا من المراحل الابتدائية وصولًا إلى الجامعية؟
التثقيف الصحي في المدارس
من الضروري دمج التثقيف الصحي ضمن المناهج التدريسية للمرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية، ليتشرب الطلاب منذ الصغر أهمية الرعاية الصحية والوقاية، وليصبح هذا السلوك جزءًا من حياتهم اليومية.
على سبيل المثال، ينبغي تعليم الفتيات المكونات الطبيعية للثدي وكيفية القيام بالفحص الذاتي الدوري منذ سن البلوغ، بالإضافة إلى عوامل الخطر التي تساهم في الإصابة بسرطان الثدي. بدلاً من الانتظار حتى سن الأربعين لطلب إجراء فحص الماموغرام للكشف المبكر.
كذلك، يجب تعليم الأطفال كيفية تفريش الأسنان بشكل صحيح، وما يؤثر على صحة الفم والأسنان، لتقليل نسبة الإصابة بتسوس الأسنان الشائع جدًا. وأيضًا، تعليمهم الطريقة الصحيحة لغسل اليدين بالماء والصابون.
تحديث المناهج الطبية
يعتقد البعض أن التحول في القطاع الصحي يقتصر على إدخال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ولكن هذا الاعتقاد لا يمثل التحول المطلوب. إذ حان الوقت لتجديد المناهج التدريسية في كليات الطب، مع التركيز على تعليم مهارات التفكير، والتواصل الفعال والإنساني مع المرضى، والاقتصاد الصحي، والمسؤولية الطبية ، وأخلاقيات مهنة الطب الإنسانية ، والدور الأساسي للطبيب المعتمد على الأدلة والبراهين العلمية من اجل اتخاذ القرار الحكيم لتحسين الصحة وجودة الحياة، وليس مجرد معالجة الأمراض.
على سبيل المثال، إذا عالجنا مرضًا بأدوية أو جراحة، وبعدها أصبح المريض يعاني من مشاكل أخرى مثل عدم القدرة على النوم أو كثرة التردد إلى الحمام، أو الضعف الجنسي فإن ذلك يعكس نقصًا في الرعاية الشاملة، ويؤثر على مؤشر جودة الحياة، ولهذا نجد أن عددا من المرضى يموتون بعد العلاج بفترة زمنية بسبب الاكتئاب والحالات المرضية المرتبطة بذلك ، وبسبب المضاعفات أو التأثيرات الجانبية لتلك الخطة العلاجية الدوائية أو الجراحية أو غيرها.
الدروس المستفادة من جائحة كورونا
أثبتت جائحة كورونا أن الأنظمة الصحية العالمية بحاجة إلى تطوير شامل، وأن الأنظمة كانت مريضة، ولقد فشلت العديد من الدول الكبرى في التعامل مع الجائحة، بينما نجحت دول صغيرة بفضل أنظمتها الصحية المرنة والمستعدة للتحديات مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، وكمثال فشلت أمريكا، ونجحت كوبا في هذا المجال.
التعليم الطبي المستمر
يجب ألا يقتصر التطوير على التعليم الطبي في كليات الطب فقط، بل ينبغي أن يشمل التعليم الطبي المستمر من خلال المؤتمرات وورش العمل التي يجب أن تكون هادفة للاطلاع على الجديد في عالم الطب وتبادل الخبرات والمهارات، ولا يقتصر حضور الطبيب من أجل حصوله على ساعات الاعتماد المقررة، وللأسف أقول قسم لا بأس به من المؤتمرات الطبية التي يصرف عليها مبالغ كبيرة هي في معظمها تعتبر مناسبات اجتماعية وترفيهية وسياحية، وترويجية للشركات الطبية.
دور الصيدلي والممرضة
يجب أن يتجاوز دور الصيدلي مجرد بيع الأدوية، ليشمل تقديم التوعية اللازمة للمرضى حول كيفية استخدام الأدوية بشكل صحيح. وبالنسبة للممرضات، يجب أن يكنّ جزءًا لا يتجزأ من فريق الرعاية، يقدمن الدعم العاطفي والنفسي للمرضى، بالإضافة إلى التوعية الصحية، وليس مجرد قياس العلامات الحيوية، وتغيير الضماد ، وإعطاء الحقن الدوائية، فالممرضة تبقى وقتاً أطول مع المريض مقارنة بالوقت الذي يمضيه الطبيب أو أي شخص آخر من الفريق الطبي .
الرعاية الصحية الشاملة
إن التحول إلى نموذج الرعاية الصحية الذي يعتمد على فريق من المهنيين الصحيين يتحملون المسؤولية الجماعية عن رعاية ورفاهية المريض هو الاتجاه المستقبلي الذي يجب أن نعد أطباء الغد لمواجهته. يجب أن نضمن أنهم مستعدون للتكيف مع التغييرات المستمرة، ويستطيعون تقديم الرعاية المثلى في أي ظرف.
الصحة وجودة الحياة
إن تطوير المناهج التعليمية في المدارس والجامعات ليشمل التثقيف الصحي الشامل هو خطوة أساسية نحو تحسين الصحة وجودة الحياة. ويجب أن يكون الهدف من التعليم الطبي هو إعداد مهنيين صحيين قادرين على التعامل مع التحديات المستقبلية بكفاءة وإنسانية لكي نقلل من كلفة المرض التي تعتبر باهظة جداً وكلفة الوقاية منه زهيدة جداً.
ويبقى السؤال:
لم ما زلنا نصرّ على صرف المبالغ الباهظة على العلاج، ولا نستثمر في المعرفة من أجل الوقاية أولا باعتبار أن الصحة نعمة، وهي مسؤوليتنا جميعا، وهي مرتبطة بشكل جوهري بجودة الحياة ؟