Connect with us

المنتدى الصحي

جيفري بول: مخترع غرسة مكنته من السمع 

قصة ملهمة.. ما بين فقدان السمع والابتكار 

 د. بسام درويش 

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

منذ عدة سنوات، أتيحت لي فرصة اللقاء مع جيفري بول في إنسبروك بالنمسا، الرجل الذي اخترع جهاز “VIBRANT SOUNDBRIDGE” لتقوية السمع، وهو نفسه مستخدم لهذا الجهاز. خلال اللقاء، أهداني نسخة من كتابه “No More Laughing at the Deaf Boy”، الذي يحكي فيه قصته الشخصية ومسيرته مع فقدان السمع والابتكار. يحمل هذا الكتاب في طياته قصة ملهمة تستحق أن تُقرأ على نطاق واسع، ولذا آمل أن أتمكن من ترجمته إلى اللغة العربية قريبًا نظرًا لأهميته الكبيرة.

التكيف مع الواقع

ما يميز سيرة جيفري بول الذاتية هو إدراكه للتحديات التي يواجهها الأشخاص الذين يعانون من فقدان السمع الجزئي أو التام. أنا شخصيًا أعاني منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف من فقدان السمع التام في أذن واحدة، بالإضافة إلى الطنين المستمر. ورغم أن فقدان السمع في أذن واحدة قد لا ينتبه له أحد، إلا أنه في كثير من الأحيان يضعني في مواقف صعبة حيث أجلس مع الآخرين وأحاول قراءة الشفاه لفهم ما يدور حولي. أضطر أحيانًا إلى اختيار المكان الأنسب ليس لراحتي الشخصية بل لتمكيني من سماع أفضل.

ورغم أن تجربتي الشخصية لا يمكن مقارنتها بتجربة جيفري ري أو غيره ممن فقدوا السمع بشكل كامل، فإنها تمثل مثالًا على التحديات التي يواجهها من يعانون من هذه الإعاقات، وكيف يمكن التغلب عليها بالتكيف مع الظروف بمرور الوقت.

فقدان السمع ومسيرة التحدي

تعود بداية معاناة جيفري ري بول مع فقدان السمع إلى طفولته المبكرة، عندما أصيب بهجمات متكررة من الحمى الشديدة التي أثرت بشكل كبير على سمعه. العلاج الذي تلقاه، والذي كان يحتوي على مضاد حيوي يُحتمل أنه “الجنتاميسين”، لم يكن معروفًا حينها بآثاره الجانبية السامة للأذن. هذا العلاج أدى إلى فقدان حاد للسمع، فلم يعد بإمكانه سماع معظم الأصوات إلا بتضخيم. ورغم ذلك، لم يستسلم جيفري ري للتحديات، بل استغلها كمحفز للابتكار.

شغف بالعلم والابتكار

جيفري بول، بخبرته ومؤهلاته الواسعة، جسد مثالًا حيًا لكيفية تسخير العلم والابتكار لمواجهة تحديات فقدان السمع. بعد تخرجه من جامعة ستانفورد بدرجة البكالوريوس في علم وظائف الأعضاء، ودرجة الماجستير في تكنولوجيا المعلومات، بدأ جيفري رحلته المهنية كمهندس طب حيوي. خلال عمله في مجال الأجهزة الطبية، لاحظ الفجوة الكبيرة في علاج فقدان السمع مقارنة بالعلاجات المتاحة لمشاكل البصر. هذا التفاوت كان دافعًا له لتطوير حلول جديدة لفقدان السمع، وكانت النتيجة تطوير جهاز “VIBRANT SOUNDBRIDGE” الذي يعد اليوم حلاً مبتكرًا لآلاف الأشخاص حول العالم.

رحلة اكتشاف الحلول

قضى جيفري سنوات طويلة في مختبرات جامعة ستانفورد، يعمل ليالي وأيامًا طوال في تجريب وتصميم أجهزة مختلفة لمعالجة فقدان السمع. وبينما كان يعمل في مختبره الخاص، اكتشف المحول العائم للكتلة (Floating Mass Transducer) أو FMT، وهو المحور الأساسي لجهاز “VIBRANT SOUNDBRIDGE”. هذا المحول يتصل بعظيمات الأذن الوسطى ليخلق اهتزازات صوتية قوية بما يكفي لتُمكِّن المريض من سماع الأصوات بوضوح.

التجربة الشخصية.. لحظة فارقة

كان جيفري من أوائل الأشخاص الذين تمت زراعة جهاز “SOUNDBRIDGE” لهم كجزء من التجارب السريرية. وعندما سمع بجهازه الخاص لأول مرة، كانت تلك اللحظة فارقة في حياته. يقول جيفري : “عندما أعد تشغيل غرستي او زرعتي وأتمكن من السمع، أقول لنفسي: ‘واو. هذا حقًا مذهل.’. هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة بل نتاج سنوات من الجهد والتجارب.

جيفري يعترف بأنه كان واحداً من فريق كبير من الباحثين والأطباء والخبراء الذين جعلوا هذا الإنجاز ممكنًا.

الابتكار كدافع للتحسين

تجربة جيفري بول مع فقدان السمع والابتكار تشكل درسًا قويًا في التغلب على التحديات واستغلالها كفرص للتغيير والتحسين. قصته ليست مجرد حكاية عن التكنولوجيا، بل هي رحلة إنسانية ملهمة تذكرنا بأن التحديات يمكن أن تكون محركًا لتحقيق إنجازات عظيمة.

 بالعربي

بعد تعرفي على قصة جيفري وتأثري بها، وقراءتي مرات عديدة لكتابه ، أدركت مدى أهمية ترجمة هذه القصة الملهمة إلى اللغة العربية.

كتاب “No More Laughing at the Deaf Boy” يحمل في طياته دروسًا عميقة حول الابتكار، الإصرار، وأهمية عدم الاستسلام أمام التحديات. لهذا السبب، أرى أن ترجمته للعربية ستكون خطوة مهمة لنشر الوعي حول فقدان السمع وتقدير الابتكار في الرعاية الصحية.

لا شك بأن تجربة جيفري ري بول ليست مجرد قصة عن الابتكار الطبي، بل هي قصة إنسانية تلهمنا جميعًا بأن التحديات، مهما كانت صعبة، يمكن أن تكون دافعًا للتغيير والتطور وتحقيق إنجازات غير مسبوقة.

bassam@balsamhealthcare.com

Continue Reading

مقالات شائعة