Connect with us

المنتدى الصحي

سد الفجوة في الوقاية وإدارة السرطان:

الحل .. استراتيجيات مبتكرة وفعالة للتوعية

د.بسام درويش

مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

يعد السرطان أحد أبرز التحديات الصحية في العصر الحديث، حيث يتزايد عدد الإصابات بشكل ملحوظ على مستوى العالم. وتعتبر الوقاية الفعالة وإدارة المرض من أهم الخطوات في التصدي لهذا التحدي. ومع أن العالم شهد تقدمًا ملحوظًا في مجال مكافحة السرطان، لا تزال هناك فجوات كبيرة تعيق الجهود المبذولة في العديد من البلدان، بما في ذلك المنطقة العربية. هذه الفجوات تعرقل الوصول إلى الفحوصات المبكرة والعلاجات المناسبة، مما يؤدي إلى تفاقم المرض وانتشاره.

 أين تكمن الفجوة في الوقاية وإدارة السرطان؟

1. ضعف التوعية الصحية: 

   من أكبر التحديات التي تواجه المنطقة العربية هو ضعف الوعي المجتمعي حول الوقاية من السرطان وأهمية الفحوصات الدورية للكشف المبكر. عدم فهم المخاطر وكيفية الوقاية منها يؤخر اكتشاف المرض في مراحله الأولى، حيث تكون فرص العلاج أكبر.

2. التفاوت في الوصول إلى الخدمات الصحية: 

   يتأثر العديد من الناس في المناطق النائية أو الفقيرة بقلة الخدمات الصحية المناسبة، ما يؤدي إلى نقص في الفحوصات الدورية والعلاج اللازم. هذه الفجوة تزيد من خطر تأخر تشخيص المرض وتقليل فرص البقاء على قيد الحياة.

3. عدم تفعيل البرامج الوقائية: 

   في بعض الدول، تفتقر السياسات الصحية إلى برامج وقائية فعالة تشمل التطعيم ضد الفيروسات المرتبطة بالسرطان مثل فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) أو الفحص المبكر للسرطان. هذه البرامج، إذا ما طُبقت بشكل صحيح، يمكن أن تسهم في الحد من انتشار أنواع معينة من السرطان. ورغم وجودها إلا ان التوعية الصحية غير كافية أو لا تحقق الأهداف المطلوبة .

4. البيئة وأسلوب الحياة: 

   التلوث، التدخين، والنظام الغذائي غير الصحي، كلها عوامل تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. ومع أن هذه المخاطر معروفة، إلا أن الجهود المبذولة للحد من هذه العوامل لا تزال ضعيفة في بعض البلدان.

 تعزيز التوعية الصحية: محور أساسي لسد الفجوة

أحد أهم الحلول لسد الفجوة في الوقاية وإدارة السرطان هو تعزيز التوعية الصحية. يجب أن يكون إطلاق حملات توعية صحية شاملة على رأس الأولويات لمكافحة السرطان في المنطقة العربية. إليك بعض الاستراتيجيات الفعالة لتعزيز التوعية الصحية:

1. استخدام وسائل الإعلام المتنوعة: 

   للوصول إلى مختلف الفئات العمرية والمناطق الجغرافية، يجب استخدام مزيج من وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والراديو، إلى جانب المنصات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية. هذا النهج يضمن الوصول إلى جمهور واسع ومتنوع، ويساهم في نشر معلومات دقيقة وموثوقة حول السرطان.

2. التأكيد على أهمية الفحص المبكر والفحوصات الدورية: 

   يجب أن تركز حملات التوعية على أهمية الفحص المبكر والدوري للكشف عن السرطان في مراحله الأولى، مثل الفحص الذاتي للثدي وفحوصات سرطان القولون. الفحص المبكر يزيد من فرص العلاج والشفاء بشكل كبير.

3. نشر المعلومات حول التطعيمات الوقائية: 

   يجب أن تحتوي حملات التوعية على معلومات واضحة حول أهمية التطعيمات التي تساعد في الوقاية من السرطانات المرتبطة بالفيروسات مثل فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وفيروس التهاب الكبد ب، حيث ثبت أن هذه التطعيمات تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بسرطانات معينة.

4. التعاون مع المدارس والجامعات: 

   يمكن أن تكون المدارس والجامعات شريكًا رئيسيًا في نشر التوعية الصحية، من خلال إدراج برامج تعليمية حول الوقاية من السرطان وأهمية الفحوصات الدورية في المناهج الدراسية. هذا يعزز وعي الشباب منذ سن مبكرة ويشجعهم على تبني سلوكيات صحية.

5. حملات ميدانية في المجتمعات: 

   تنظيم حملات ميدانية في الأحياء والمناطق الريفية لتعريف الناس بأهمية الوقاية والفحص المبكر، وتوفير الفحوصات المجانية في هذه الحملات يمكن أن يكون له أثر كبير في زيادة الوعي والوصول إلى المجتمعات التي قد لا يكون لديها وصول سهل إلى المعلومات أو الخدمات الصحية.

 نماذج ناجحة يمكن الاستفادة منها

فنلندا وأستراليا والمملكة المتحدة من بين الدول التي نجحت في تطبيق برامج توعية صحية فعالة وساهمت بشكل كبير في تقليل معدلات الإصابة بالسرطان. 

– فنلندا طبقت برنامجًا للتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) وخفضت بذلك بشكل كبير من معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم.

– أستراليا أطلقت حملة “Slip, Slop, Slap” التي رفعت الوعي بمخاطر التعرض للأشعة فوق البنفسجية وساهمت في خفض معدلات سرطان الجلد.

– المملكة المتحدة اعتمدت على الفحص المجاني والدوري للكشف المبكر عن سرطانات الثدي والأمعاء، مما زاد من نسب الكشف المبكر ورفع معدلات الشفاء.

 كيف يمكن تطبيق هذه النماذج في المنطقة العربية؟

1. تبني برامج وطنية للتطعيم والفحص المبكر: 

   مثلما فعلت فنلندا وأستراليا، يمكن للحكومات في المنطقة العربية أن تتبنى برامج وطنية للتطعيم ضد الفيروسات المسببة للسرطان، وهذا مطبق ومتوفر في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتنظيم فحوصات دورية للكشف عن السرطانات الشائعة مثل سرطان الثدي وسرطان القولون.

2. إشراك المجتمع المحلي: 

   حملات التوعية يجب أن تستهدف جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الفئات الريفية والمناطق النائية. يمكن التعاون مع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المجتمعية لتوفير فحوصات مجانية وتثقيف المجتمع حول أهمية الوقاية.

3. الاستثمار في التكنولوجيا الصحية: 

   يمكن استخدام التقنيات الحديثة مثل التطبيقات الصحية والذكاء الاصطناعي في تعزيز التوعية وتشجيع الناس على إجراء الفحوصات الدورية. هذه الحلول الرقمية يمكن أن تصل إلى جمهور أوسع وتكون أكثر تفاعلية وفعالية.

 استراتيجيات مبتكرة وفعالة للتوعية

سد الفجوة في الوقاية وإدارة السرطان في المنطقة العربية يبدأ من تعزيز التوعية الصحية. بتطبيق استراتيجيات مبتكرة وفعالة للتوعية، وتنظيم حملات على مستوى واسع، وتبني برامج وطنية للفحص المبكر والتطعيمات، يمكن تقليل معدلات الإصابة بالسرطان وتحسين فرص الشفاء. الدروس المستفادة من الدول الناجحة مثل فنلندا وأستراليا يجب أن تكون حافزًا للدول العربية لتطبيق سياسات مماثلة وتحقيق تقدم ملموس في مكافحة السرطان.

bassam@balsamhealthcare.com

Continue Reading

مقالات شائعة