لقاح يلوح في الأفق لشيخوخة صحية

ترجمة وإعداد : د.أحمد سمير بيرقدار

الشيخوخة هي المرحلة التي لطالما سبقت نهاية واحدة يعرفها الجميع وهي موت الكائن الحي، والانسان ليس الاستثناء في هذه القاعدة فمصير الانسان الموت مهما طال الوقت، ولكن السؤال يبقى كم تطول مرحلة الشيخوخة قبل الموت؟

لكي نفهم لماذا نشيخ، علينا أولا أن نفهم كيف نشيخ؟ فما هي الشيخوخة من الناحية العلمية؟

الشيخوخة البيولوجية

تعرف الشيخوخة البيولوجية بأنها تدهور تدريجي للوظائف الفيزيولوجية الضرورية للبقاء والتكائر وهذا التعريف يدل على الشيخوخة كحالة فيزيولوجية طبيعية ولا علاقة له بالحالات المرضية المرافقة لها .

ولكن هذا التعريف لا يفسر لماذا أو كيف نشيخ، ولهذا نحاول الإجابة بما يلي :

يتألف جسمنا من خلايا وكل خلية تشكل نظاماً يعمل بمنتهى الدقة والتناسق مع الخلايا المجاورة، ومجموعة الخلايا المتجاورة ذات الوظائف المتشابهة تشكل النسيج كالجلد مثلا أو النسيج العضلي أو النسيج الدهني، ومجموعة الأنسجة المتجاورة تشكل العضو ، مثل الكبد أو الكلية أو الجلد ، أو غيرها من أعضاء الجسم المختلفة .

فالتدهور في الوظائف الفيزيولوجية لأي عضو – كالجلد عند ظهور التجاعيد ،أو الدماغ عند تراجع الذاكرة ، أو العين في ضعف البصر-  يكمن في الأساس في حدوث خطأ في النظام الدقيق الذي تعمل به الخلية وعدم قدرتها على تصحيح هذا الخطأ.

فما هو هذا الخطأ؟ كيف يحدث؟ وكيف يتم تصحيحه؟

يكمن الخطأ بشكل أساسي في المادة الوراثية للخلية أو ( DNA )  لأسباب لايمكن احصائها في هذا المقال ولكن نذكر منها :

1. الأذى التأكسدي: وهو الأكثر تداولاً في الوسط العلمي في الآونة الأخيرة ويعني ضرر المواد مؤكسدة في الطعام الذي نتناوله أو الوسط الذي نعيش فيه بخلايا الجسم ، لذلك بات الأطباء ينصحون بتناول الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة.
2. تراكم الأخطاء الصغيرة: إن عمل الخلية المتواصل على مدار حياة الانسان لا بد أن يؤدي في النهاية إلى بعض الأخطاء الصغيرة مما يجعل خلايانا مع الوقت “مسنة” ولا تستطيع أن تؤدي وظائفها بمثالية.
3. استنفاذ مخزون الجسم من الخلايا الجذعية: ويحدث بشكل خاص في الأنسجة المتجددة بانتظام كالجلد والعظام والدم ، رغم قدرة الخلايا الجذعية على تجديد نفسها إلا أن هذه القدرة ليست لانهائية حيث أن عددها يتراجع مع العمر لأسباب كثيرة.
4. حلقة مفرغة : تطلق الخلايا المسنة في الوسط المحيط بها عوامل تؤدي إلى تحول الخلايا المجاورة لها إلى خلايا مسنة أيضا مما يجعل التخلص من هذه الخلايا عاملا أساسيا في الحفاظ على “نضارة” الجسم.

وهناك أسباب وعوامل كثيرة أخرى ولكن النتيجة واحدة حيث أن الخلايا تصبح مسنة ويجب التخلص منها وتجديدها بخلايا فتية منقسمة حديثاً، ورغم بساطة الحل إلى أن التطبيق لايزال صعباً في جسم الإنسان.

لقاح ضد الشيخوخة

من المعروف عن اللقاح  أنه إجراء طبي وقائي من الفيروسات بشكل خاص حيث يتم ادخال الفيروس  بشكل مضعف أو أجزاء مميزة منه إلى الجسم ليتم تفعيل الجهاز المناعي ضد هذا الفيروس حيث يتم التعرف والقضاء عليه بسرعة في حالة العدوى التالية للقاح.

ومن هذا المبدأ استمد العلماء فكرة اللقاح ضد الخلايا المسنة للتخلص منها قبل أن تؤدي شيخوخة النسيج المجاور والقضاء على مخازن الخلايا الجذعية فيه.

لتصنيع اللقاح ضد هذه الخلايا قام العلماء بتحديد بروتين مميز موجود بشكل خاص على سطح الخلايا المسنة يدعى GPNMB  الذي أظهر أنه يتواجد بشكل كبير على سطح الخلايا المسنة التي تحيط بلمعة الأوعية الدموية عند الفئران وعند البشر المصابين بتصلب الشرايين والسابق للذبحات الصدرية والتي تعتبر المسبب الأول للوفاة في العالم.

بعد تقديم اللقاح المصنع من البروتين المصنع مسبقاً تم تقديمه للفئران وتفعيل الجهاز المناعي ضد الخلايا التي تظهر هذا البروتين بشكل كبير على سطحها والنتيجة كانت مشجعة جداً حيث أنه بعد تحفيز التصلب الشراييني عند الفئران ومن ثم اعطائها اللقاح انخفضت شدة تصلب الشرايين عند هذه الفئران بصرف النظر عن الحمية الغذائية عالية الدسم التي تزيد مخاطر تصلب الشرايين والإصابة بالذبحات الصدرية، كما لوحظ تباطؤ في شيخوخة النسيج الدهني وتحسن في عملية استقلاب الدهون في الجسم، إضافة إلى ذلك لوحظ ازدياد متوسط عمر الفئران الذكور وتحسن في التغيرات المرافقة للشيخوخة عادة.

يطمح العلماء في الخطوة التالية إلى تطوير اللقاح بشكل يجعله مناسبا للتجارب السريرية في المستقبل القريب حيث أن الأمل المعقود على هذا النوع من اللقاحات كبير ليس لمنع التقدم بالعمر والخلود فالموت مصير الكائنات جميعاً، ولكن لتخفيف الآلام والصعوبات المرافقة للشيخوخة كالجلد المتجعد وضمور العضلات وترقق العظام وغيرها من المضاعفات التي اعتبرت لزمن قريب مصيراً محتوما لا مفر منه مع التقدم من العمر، تبقى الأعمار بيد الله ولكن وظيفة الطب كانت ومازالت الأخذ بالأسباب وتخفيف الآلام ما أمكننا.

المصادر :

1. Senolytic vaccination improves normal and pathological age-related phenotypes and increases lifespan in progeroid mice، Nature aging، December 2021

https://doi.org/10.1038/s43587-021-00151-2

• Gilbert developmental biology 6^th edition