د.بسام درويش
لا يُعد الازدحام المروري اليومي مجرد مصدر إزعاج بسيط في حياتنا، بل يمتد تأثيره ليشمل صحتنا النفسية وقراراتنا اليومية وحياتنا بشكل عام ، إن لم نحسن التعامل معه بالطريقة الصحيحة ، ووفقًا لأخصائي علم النفس السريري، صني جوزيف، فإن الضوضاء والإجهاد المرتبط بحركة المرور يمكن أن يزيد من مستويات التوتر، التعب، التهيج، والغضب لدى السائقين والركاب.
متلازمة مرضية
هل يمكن أن نطلق على الاضطرابات والحالات الجسدية والنفسية المرتبطة بالازدحام المروري اسم ” متلازمة الازدحام المروري “؟
رغم أنها ليست حالة طبية معترف بها رسميًا، إلا أن “متلازمة الازدحام المروري” تُعبّر عن مجموعة من التأثيرات السلبية المتنوعة التي يمكن أن تنجم عن التعرض المستمر للازدحام المروري. تشمل الأعراض الشائعة لهذه المتلازمة:
1. الإجهاد النفسي: يزيد الازدحام المستمر من مستويات التوتر والقلق، مما يُسبب شعورًا بالتعب النفسي والإحباط.
2. الإجهاد البدني: الجلوس لفترات طويلة في الزحام يسبب مشاكل جسدية مثل آلام الظهر، توتر العضلات، وارتفاع ضغط الدم.
3. التعب المزمن: يمكن أن يؤدي التنقل اليومي لفترات طويلة إلى اضطرابات النوم والإرهاق المستمر، مما يؤثر على القدرة على التركيز واتخاذ القرارات.
4. الغضب والعدوانية: يؤدي الازدحام إلى تصاعد مشاعر الغضب والإحباط، مما يزيد من احتمالية الانفعال والتصرفات العدوانية على الطريق.
5. اضطرابات النوم: الإجهاد الناتج عن الزحام يُساهم في صعوبة النوم أو النوم المتقطع.
6. التأثيرات الاجتماعية والمهنية: قد يؤدي الإجهاد المرتبط بالتنقل اليومي إلى تجنب التفاعلات الاجتماعية أو تراجع الأداء الوظيفي.
7. الأمراض القلبية: على المدى الطويل، يُمكن أن يُساهم الإجهاد المستمر وارتفاع ضغط الدم الناتج عن الازدحام في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية .
تأثير الازدحام المروري على الإنتاجية
للازدحام المروري تأثيرات كبيرة على الإنتاجية، تتجلى في عدة جوانب:
1. التأخير في الوصول إلى العمل: يُسبب الازدحام المروري تأخير الموظفين، مما يقلل من وقت العمل الفعلي ويؤثر على سير العمليات اليومية.
2. الإجهاد والتعب: يؤثر الإجهاد المستمر الناتج عن الزحام على التركيز وجودة العمل، مما يؤدي إلى زيادة الأخطاء وتراجع الأداء.
3. التأثير على الصحة النفسية: يُقلل الإجهاد الناتج عن الازدحام من الروح المعنوية ويزيد مستويات التوتر والقلق، مما يؤثر على العلاقات في مكان العمل ويُقلل من الإنتاجية.
4. الحد من التفاعل الاجتماعي والمهني: يجعل الإجهاد الناتج عن التنقل الطويل الموظفين أقل رغبة في المشاركة في الأنشطة الاجتماعية أو التعاون مع زملائهم.
5. التغيب عن العمل: قد يأخذ بعض الموظفين أيام إجازة للتعافي من التوتر أو لتجنب الزحام أو لأسباب أخرى، مما يُقلل من إنتاجية الفريق ككل.
6. التفكير في تغيير الوظيفة: قد يدفع الازدحام المروري بعض الموظفين إلى البحث عن وظائف أقرب أو ذات ساعات مرنة أو تتيح العمل عن بعد.
التأثير النفسي لحركة المرور
تُسبب حركة المرور، خاصة عندما تكون الاختناقات طويلة الأمد، ضغطًا نفسيًا كبيرًا. الضجيج المستمر والتوتر المتولد من التصرفات على الطرق يؤدي إلى الشعور بالإحباط وفقدان السيطرة، مما يؤثر سلبًا على الحياة اليومية.
استراتيجيات أساسية
لتخفيف تأثيرات الازدحام المروري، يمكن اتباع بعض الاستراتيجيات مثل:
1. التخطيط المسبق: تجنب أوقات الذروة واختيار الطرق الأقل ازدحامًا.
2. الاستفادة من وقت القيادة: استمع إلى كتب صوتية أو بودكاست أو موسيقى مهدئة لتحسين المزاج.
3. تقنيات التنفس والتأمل: استخدم تقنيات التنفس العميق والتأمل أثناء القيادة لتقليل التوتر.
4. النشاط البدني المنتظم: ممارسة الرياضة بانتظام لتحسين الصحة النفسية والجسدية.
5. إدارة الوقت بشكل فعال: نظم وقتك لتجنب التأخير والضغوط الناتجة عن الازدحام.
6. الاسترخاء بعد القيادة: خصص وقتًا للاسترخاء بعد رحلات القيادة الطويلة لتقليل التوتر.
تأثير الإجهاد المروري على الحوادث والفئات الأكثر تضررًا
في بعض الحالات، يُسهم الإجهاد الناتج عن الزحام المروري في زيادة حوادث الطرق. سائقو الحافلات والشاحنات وسيارات الأجرة هم الأكثر عرضة للإجهاد بسبب التنقلات الطويلة والضغوط المستمرة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية تتجاوز التكلفة الإجمالية لحركة المرور المرتبطة بالوقت الضائع والوقود المهدر 100 مليار دولار سنوياً ، ومع مرور الوقت يتسبب الازدحام المروري تلوثا ، مما له عواقب بيئية وصحية ، بما في ذلك المساهمات في تغير المناخ. يرتبط التعرض طويل الأمد لعوادم المركبات بمشاكل في الجهاز التنفسي خاصة عند الأطفال. إضافة إلى تأثير ذلك على الرفاهية النفسية، النابع من الشعور بالعجز الذي نختبره في حركة المرور يومياً ، وعدم القدرة على التنبؤ به. هذا ، أيضا ، يمكن قياسه كميا. وجدت إحدى الدراسات أنه لتوفير دقيقة من الوقت الذي يقضيه الناس في حركة المرور ، فإن الناس يقايضون خمس دقائق من أي نشاط ترفيهي آخر.
دور السياسات العامة
تلعب السياسات العامة دورًا هامًا في تقليل التأثيرات السلبية لحركة المرور من خلال وضع قواعد صارمة للمركبات التجارية خلال أوقات الذروة، وتنظيم أماكن وقوف السيارات، وتقديم خدمات استشارية للمُعرضين للإجهاد.
حركة المرور اليومية ليست مجرد إزعاج، بل هي مشكلة صحية تؤثر على جودة حياتنا وصحتنا النفسية. من المهم أن نكون على دراية بتأثيراتها ونتخذ خطوات لتخفيف تأثيرها على حياتنا اليومية.
الالتزام أولاً
وللتذكير فقد ساهمت المؤسسات الحكومية مثل القيادة العامة لشرطة دبي ، وهيئة الطرق في دبي ، في تخفيف حدة هذه المشكلة ، حينما وفرت وسائل نقل عامة مريحة وآمنة ، إضافة إلى الطرق والجسور ، والأنفاق ، والاشارات المرورية التي تعمل بالأنظمة الذكية ، وغيرها من المبادرات ، والعمل المرن في بعض المؤسسات والشركات ، وتبقى للمبادرة الفردية من قبل كل واحد أهمية خاصة ، باعتبار أن الالتزام واجب وطني ، وصحتي تبقى ثروة لوطني .