الصحة ليست مجرد غياب المرض، بل هي حالة متكاملة من الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية، تُعد هدفًا ساميًا يستحق السعي لتحقيقه. وكما أن المعرفة قوة، فإن الصحة نعمة عظيمة يجب الحفاظ عليها، والالتزام بالسلوكيات الصحية ضرورة وطنية لأنها أساس رفاهية الفرد وازدهار الوطن؛ ولهذا نردد يومياً ولهذا أطلقنا مبادرة “صحتي ثروة لوطني”.
التحدي الأساسي
يتوفر اليوم كمٌ كبيرٌ من المعلومات الصحية حول الوقاية والعلاج والرعاية عبر الإنترنت ووسائل الإعلام والممارسين الصحيين. ولكن رغم هذا التوفر، تظل هناك فجوة مستمرة بين المعرفة والسلوك، فهل يعرف الكثيرون ماذا عليهم أن يفعلوا للحفاظ على صحتهم، ولماذا يجدون صعوبة في تحويل هذه المعرفة إلى أفعال يومية ملموسة؟. ولعل أسباب هذه الفجوة تتعدد بين نقص الدافع، قلة الموارد، الحواجز الثقافية، أو عدم معرفة كيفية تحويل المعرفة إلى خطوات عملية وفعالة.
الوقاية أولًا والتثقيف المستمر
لإحداث فرق حقيقي في حياة الأفراد وتحسين الصحة العامة، يجب أن نتجاوز مجرد نقل المعلومات إلى بناء سلوكيات صحية فعالة. هنا يأتي دور التثقيف الصحي، ليس فقط لزيادة المعرفة، ولكن لتحفيز التحول نحو العمل من خلال دعم الوقاية وتعزيز المهارات اللازمة لإدارة الصحة بشكل فعال.
– تثقيف صحي مخصص وتغيير السلوك: يجب أن يكون التثقيف الصحي موجهًا حسب احتياجات الأفراد، بحيث يكون ذا صلة مباشرة بحياتهم وظروفهم الصحية. كذلك، لا يمكن تغيير السلوك بمجرد المعرفة، بل من خلال نماذج ودعم تغييرات السلوك، مثل “النموذج التحفيزي للتغيير” و”المقابلات التحفيزية”، والتي تعزز الاستعداد للتغيير، وتبني الكفاءة الذاتية، والدعم الاجتماعي.
– الوقاية ودور الطبيب: الوقاية هي السلاح الأقوى في حماية الصحة وتعزيزها، والدور الريادي للطبيب يجب ألا يتوقف عند العلاج، بل يمتد إلى توجيه المريض وتثقيفه بكيفية الوقاية من الأمراض وإدارة حالته الصحية بشكل فعّال. هذا يتضمن تعزيز أنماط حياة صحية، والكشف المبكر عن الأمراض، وتقديم التوجيه حول السلوكيات التي تحسن الصحة وتقلل من عوامل الخطر.
– بناء المعرفة الصحية وتمكين المهارات: المعرفة الصحية هي القدرة على فهم المعلومات الصحية واستخدامها بشكل صحيح لاتخاذ قرارات مستنيرة. كما أن تمكين المهارات العملية كجزء من التثقيف الصحي، مثل كيفية إعداد وجبة صحية، أو إدارة التوتر، أو مراقبة ضغط الدم، يعزز الثقة بالنفس ويمكن الأفراد من التصرف بناءً على المعرفة التي يمتلكونها.
– إنشاء بيئات داعمة للصحة والرفاهية: تلعب البيئة دورًا حاسمًا في تشكيل السلوكيات الصحية. لذا، يجب أن تمتد جهود الترويج للصحة إلى المجتمع ككل، من خلال إنشاء بيئات داعمة للرفاهية، مثل إنشاء أماكن آمنة للنشاط البدني، وتوفير دعم اجتماعي قوي، وتبني سياسات تعزز الاختيارات الصحية السليمة.
من المعرفة إلى التطبيق
لكي يكون التثقيف الصحي فعالًا، يجب أن يتحول إلى تطبيق عملي ومتكامل في حياة الأفراد والمجتمع:
1. دمج الصحة في الحياة اليومية: يمكن أن يتم تعزيز الصحة من خلال دمجها في كل بيئات الحياة اليومية، سواء في المدارس أو أماكن العمل أو المنازل. يتطلب ذلك إدخال برامج صحية وأنشطة تعزز الصحة ضمن الروتين اليومي، مثل فترات النشاط البدني في المدارس، أو جلسات اليوغا في أماكن العمل.
2. الدعم المستمر والمتابعة الفعالة: تغيير السلوك الصحي هو عملية مستمرة تتطلب دعمًا دائمًا، سواء من خلال المتابعة من قبل الممارسين الصحيين، أو العاملين في المجتمع، أو عبر التكنولوجيا الصحية الحديثة، مثل تطبيقات الهواتف الذكية التي تذكر بالالتزام بالعلاج وتقديم الدعم التحفيزي.
3. التكنولوجيا كوسيلة لتعزيز الصحة: المنصات الرقمية تقدم فرصًا كبيرة لسد الفجوة بين المعرفة والعمل من خلال تقديم معلومات صحية بشكل سهل وجذاب، وتوفير أدوات متابعة مستمرة، وتقديم إرشادات خطوة بخطوة تساهم في بناء سلوكيات صحية فعالة ومستدامة.
الالتزام واجب وطني: الصحة قوة للوطن
الصحة ليست مجرد مسؤولية فردية، بل هي التزام جماعي ووطني يعكس رفاهية المجتمع بأسره. “صحتي ثروة لوطني” تعني أن العناية بالصحة هي استثمار في المستقبل، فهي تعزز الإنتاجية، وتقلل من تكاليف الرعاية الصحية، وتضمن ازدهار المجتمع بأسره. الالتزام بالعادات الصحية، وتعزيز الوقاية، وتوفير التثقيف المستمر، كل هذه الجوانب تصب في بناء مجتمع صحي وقوي.
ومن هنا، يُعد سد الفجوة بين المعرفة والعمل عنصرًا أساسيًا لنجاح جهود تعزيز الصحة وتثقيف المرضى، وضرورة حيوية لضمان استدامة الرعاية الصحية وتحقيق الرفاهية للجميع.
دعوة للجميع
ختامًا، لنتذكر أن الصحة نعمة، والمعرفة قوة، والوقاية درع يقينا من أخطر الأمراض ، والالتزام بالصحة واجب وطني، فلنعمل لكي تكون “صحتي ثروة لوطني”.