هل تحسّن الرياضة الصحة النفسية؟

بقلم الدكتور: مشعل سلطان

أستاذ مساعد في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية

استشاري الطب النفسي للأطفال واليافعين في مستشفى الجليلة التخصصي للأطفال

أمين عام جمعية الإمارات للصحة النفسية للأطفال

مع التطور السريع لنمط الحياة، ومقدرة أغلب الناس في الوصول إلى ما يريدونه “بكبسة زر”، فإن أهمية النشاط الرياضي في هذا الزمن أهم من أي وقت مضى. طلب الطعام بكبسة زر، والالتقاء الافتراضي مع الأصدقاء بكبسة زر، والتسوق الالكتروني بكبسة زر.

ويعرف الكثير من أفراد المجتمع عن تأثيرات النشاط الرياضي على الصحة البدنية ، على سبيل المثال صحة القلب، والعظام، والعضلات، وتقليل الإصابة ببعض أنواع السرطان، لكن معرفتهم قد تكون قليلة عن تأثيراتها على الصحة النفسية، كتقليل أثر الضغوط على الجسم، وعلى المزاج والذاكرة، والقدرات الذهنية.

مع حدوث جائحة كوفيد-19 وما صاحبها من تغييرات، قلّت معدلات القيام بالنشاطات البدنية بشكل ملحوظ. ففي دراسة بحثية قادها د. جفري تيسون من جامعة كاليفورنيا، وشملت أكثر من 450 ألف مشارك حول العالم، تم ملاحظة تدني في مقدار المشي بنسبة 27%  خلال الثلاثين يومًا الأولى من الإعلان عن ظهور الجائحة. 

ما هو أثر النشاط الرياضي على ضبط المشاعر، و القدرات الذهنية؟

يلعب النشاط الرياضي دورًا مهمًا في ضبط العاطفة، وكذلك تقوية التركيز والذاكرة. وتم القيام بدراسات بحثية عديدة لتقييم أثرها في علاج الاضطرابات النفسية.

ولقد ذكر البروفيسور مايكل أوتو من جامعة بوسطن بأن الآثار الإيجابية لرياضة متوسطة الشدة تبدأ خلال خمس دقائق من بدء النشاط. وكذلك توجد دراسات علمية عدة وضّحت أثر الرياضة في علاج اضطراب الاكتئاب والتقليل من احتمالات الانتكاسة.

قام الدكتور جاسبر سمتس من جامعة سذرن ميثودست بدراسة بحثية لتقييم أثر الرياضة على القلق. ووضّحت الدراسة دور النشاط الرياضي في التقليل من نوبات الهلع لدى الأشخاص المعرضين للقلق. هذه النوبات تحدث عادة لدى الأشخاص الأكثر تأثرًا بالتغييرات الفيزيولوجية التي عادة تسبق حدوث النوبة. تفسير نتائج البحث مبني على فرضية، تربط بين تشابه التغييرات الفيزيولوجية للنشاط البدني مع ما يصاحب القلق، على سبيل المثال زيادة في دقات القلب وفي سرعة التنفس، ومع تعريض الجسم لهذه التغييرات وبشكل متكرر، يحصل الاعتياد، وبالتالي انخفاض في حدوث نوبات الهلع.

بخصوص السبب المرتبط بأثر النشاط الرياضي على تحسين المقدرة على ضبط المشاعر، توجد عدة فرضيات. أحدها له علاقة بزيادة بعض النواقل العصبية مثل السيروتونين، وزيادة بعض المواد مثل عامل التغذية العصبية

Brain-derived neurotrophic factor

الذي يساهم في نمو الخلايا العصبية. بالإضافة إلى دور الرياضة في تحسين كفاءة النوم وبالتالي تتحسن صحة الدماغ. ومن الناحية النفسية، القيام بالنشاط الرياضي يعطي إحساسًا إيجابيًا يرتبط بالشعور بالإنجاز.

أما عن أثر النشاط البدني على القدرات الذهنية، ففي دراسة بحثية قادها البروفيسور شارلز هيلمان وتم نشرها في المجلة العلمية Nature ذكر بأن للنشاط البدني علاقة إيجابية على القدرات الذهنية وعلى الأداء الأكاديمي لطلبة المدارس (عمر 4 إلى 18 عامًا)، بينما لزيادة الوزن علاقة سلبية.

وذكر البروفيسور آرثر كرِمر من جامعة إلينوي بأن القدرات الذهنية على سبيل المثال التركيز والذاكرة، و احتمال الإصابة بالزهايمر أقل لدى كبار السن (أكبر من 65 عامًا) الذين قاموا بالرياضة يوميًا لمدة 15 إلى 30 دقيقة ، 3 مرات أسبوعيًا على الأقل. 

كم المدة المطلوبة للنشاط الرياضي؟

توصي جمعية القلب الأمريكية البالغين بممارسة رياضة متوسطة الشدة بمعدل 150 دقيقة أسبوعيًا. أما بالنسبة للأطفال واليافعين من عمر 6 إلى 17 عامًا فإنها توصي بنشاطات بدنية لمدة 60 دقيقة يوميًا. وبالنسبة للأطفال الأصغر الذين تتراوح أعمارهم من 3 إلى 5 سنوات، فهي توصي بإتاحة الفرص العديدة للتحرك خلال اليوم.

كيف يمكنك البدء في القيام بالرياضة؟

التغييرات البسيطة تحدث فرقًا كبيرًا في حياتنا اليومية ، وهي يمكن أن تحدث بشكل تدريجي ، إذ أن إحداث أي تغيير في نمط حياة اعتدنا عليه، ليس بالأمر السهل، والتغييرالمطلوب يمر بمراحل ويحتاج إلى  اتخاذ القرار والالتزام به والدعم والاستمرار.

للقيام بإضافة نشاطات رياضية لحياتك اليومية، يمكنك الاستفادة من هذه الإستراتيجيات التالية :

• احرص على وضع خطة، بحيث تشمل التفاصيل، مثل وقت ومدة التمرين البدني.
• حدد لنفسك هدفًا، على سبيل المثال قطع مسافة 10 كم بالدراجة الهوائية، ولتحقيق الهدف ضع خطوات، وإن كانت صغيرة في البداية، حتى تساعدك في الوصول إلى هدفك.
• تغيير سلوك واحد، إن كنت تسعى إلى تغيير سلوكيات غير صحية عديدة، فخطط للتركيز على تغيير سلوك واحد في كل مرة.
• التعاون مع صديق أو قريب للقيام بنشاطات رياضية معاً.
• اطلب المشورة ولا تتردد ، في حال واجهتك صعوبات في تحقيق أهدافك المتعلقة بتغيير نمط حياتك، أطلب المشورة من المختصين. 

وتذكر دائمًا بأهمية التعاطف مع ذاتك، في حال واجهتك إخفاقات في تحقيق ما تصبو إليه، واعتبر ذلك اكتسابًا لخبرة و تحديًا يمكنك إيجاد الحل المناسب له.

المصادر:

Rod K. Dishman et al., Working out boosts brain health, American Psychological Association, 2020.

Geoffrey H. Tison et al., Worldwide Effect of COVID-19 on Physical Activity: A Descriptive Study, Annals of Internal Medicine, 2020.

Kirsten Weir, The exercise effect, American Psychological Association, 2011.

Arthur F. Kramer et al., Exercise helps sustain mental activity as we age, may prevent dementia-like illnesses, Eurek Alert, American Association for the Advancement of Science, 2006.

Charles H. Hillman et al., Be smart, exercise your heart: exercise effects on brain and cognition, Nature, 2008.

American Heart Association Recommendations for Physical Activity in Adults and Kids, American Heart Association, 2018.

Psychology Topics, Making lifestyle changes that last, American Psychological Association, 2010.