غسل اليدين أم العقول ؟
بقلم : د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي
ما الفائدة إن ربحت المعركة ضد كورونا وأخواتها وخسرت نفسك ، وخسرت أشخاصاً كانوا بمثابة السياج المنيع ، سياج حديقة مليئة بالورود؟
ما الفائدة لو ربحت الملايين ، ولم تجد شخصاً يشاركك قهوة الصباح ، أو تناول وجبة غداء شهية وصحية بالطبع؟
هل كنّا بحاجة إلى هذا الفيروس ” الكوروني ” ألم نكتفي بالفيروس ” الإلكتروني ” الذي ساهم في شقّ الصف داخل الأسرة الواحدة والأصدقاء والزملاء في العمل ؟
كل واحد يُمسك بهاتفه وكأنه يمتلك عالماً خاصاً به.
هي عزلة ” إلكترونية ” كنّا نعيشها – وعلينا الإقرار بها – ، واليوم نكرّس عزلة ” فيروسية ” ، دون أن ندرك مخاطرها المباشرة وغير المباشرة ، ولا شك بالطبع أن التقيد بالالتزامات كما أردد دائماً هي مسؤولية وواجب وطني .
نعم نحن بحاجة إلى عزلية جسدية ، ولكننا بحاجة إلى تواصل وتضامن وتفاعل فعّال اليوم أكثر من أي وقت مضى . فالعزلة سلاح ذو حدّين وكم هي الأسلحة ذات الحدّين التي بات يمتلكها الصغير قبل الكبير . من أفعال تسابق الأقوال إلى كلمات جارحة دون ماء يروي .
هناك الكثير من الأشخاص الذين يعيشون هذا البعد الجسدي والنفسي والاجتماعي والعاطفي ، على رغم أنهم يعيشون في بقعة جغرافية صغيرة جداً .
فالإعلام في بعض مؤسساته بدل من أن يقوم بدوره الواعي في المجتمع ، يُنفق مئات الملايين على برامج ومسلسات تُسطّح العقول ، قبل أن يتم تسطيح المنحنى الذي تعمل كوادر طبية وغيرها ليل نهار من أجل تسطيح المنحنى لينعم الجميع بالصحة والسلامة ، ولكي يعود لممارسة الحدّ الأدنى ممّا يمنحه الشعور بطعم مختلف للحياة ، من تناول فنجان قهوة في ذلك المقهى الذي اعتاد عليه ، ولم يعتد هو عليه ، أم الخروج في نزهة نحو شاطئ البحر الذي تدّعي موجاته أنها تداعب ذرات الرمل الناعمة ثم تجرفها بعيداً ، أو نحو الصحراء حيث لسعة الحرارة التي تشعرك أنك ما زلت حياً مثل عشبة ” الشيح ” المرّ مذاقها ، والمفيدة بخصائصها .
تحولات مفاجئة في الروتين – وهذا مطلوب – ولكن تغيرات السلوك يمكن أن تترك آثاراً سلبية لدى كبار السن قد لا تندمل ، مما يزيد من التوتر والانفعالات السلبية وردود الفعل تجاه أتفه الأمور ، ما يسبب اضطرابات في النوم ، والدخول في حلقة مفرغة من القلق والاكتئاب . ووفقاً لدراسات نشرت مؤخراً في عدد من المجلات الطبية المعنية بطب الشيخوخة و ” لانسيت ” الطبية ، فإن الشعور بالوحدة يزيد من خطر الخرف بنسبة 40% ، ومن الوفاة الباكرة بنسبة 26 في المائة .
اليوم أنا بحاجة إلى الآخر أكثر من أي وقت آخر ، خصوصاً في زمن كورونا وأخواتها ، والشائعات ، بحاجة إلى من يفهم قلقي ، ومن يشعر بوحدتي غير المرئية مثل ” كورونا “الذي هدّد البشرية بأجمعها ، ولم يراه أحد .
بين المسافة الجسدية والاجتماعية حدّ فاصل يحسّ ولا يُرى . وما يحتاجه كل واحد منّا كلمات مطمئنة ، وليس كلمات ” نسخ ولصق ” عبر ” الواتس أب ” الذي فهم اللعبة تماماً . ولو أراد أن يمارس عزلته علينا لبعض الوقت ، فما الذي سيحدث حينها؟
لوحة تحكم عن بعد تتحكم في مشاعرنا ، و برامج ومسلسلات يُنفق عليها مئات الملايين كانت تكفي لبناء مراكز أبحاث ، ومستشفيات للأمراض المعدية ، و اليوم ربما لسنا بحاجة إلى مثل هذه المستشفيات ، بل قد نكون بحاجة إلى مستشفيات للأمراض العقلية ، خصوصاً إذا ما شاهدنا ما تبثه سنوياً مؤسسة إعلامية ضخمة بمواردها فقيرة بمحتواها عبر شاشاتها المختلفة ، التي ساهمت في قصف العقول ، وبالمقابل هناك مؤسسات ومبادرات تبني العقول تستحق التقدير على مرّ العصور.
همسة :
صرير الأبواب يوقظ القلب من غفوته .
نبضة :
في زمن كورونا وأخواتها ، لسنا بحاجة إلى غسل اليدين فقط ، بل إلى غسل العقول ، وغسل العيون لكي نرى بوضوح .