Connect with us

المنتدى الصحي

دمج الصحة النفسية في سياسات الصحة العامة والحوكمة 

د. بسام درويش – مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

تلعب الصحة النفسية دوراً جوهرياً في تعزيز رفاهية الأفراد والمجتمعات، ومع ذلك قد لا يتم التركيز عليها بنسبة جيدة  في السياسات العامة مقارنة بالصحة الجسدية. ولكن مع ظهور جائحة كوفيد-19 والأزمات الصحية وغير الصحية المتزايدة، أصبحت الحاجة ماسة إلى دمج الصحة النفسية في سياسات الصحة العامة والحوكمة بشكل شامل. إذ أن الأزمات الصحية والحروب والكوارث الطبيعية أبرزت التأثير الكبير للصحة النفسية على الصحة العامة وجودة الحياة بشكل عام.

 أهمية دمج الصحة النفسية في السياسات العامة:

1. تأثير الصحة النفسية على المجتمع: 

   لا تقتصر آثار الصحة النفسية على الأفراد فحسب، بل تمتد لتشمل المجتمع ككل. المشاكل النفسية غير المعالجة تؤدي إلى تدني الإنتاجية، زيادة البطالة، وارتفاع معدلات الجريمة والانتحار، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي، من المستحيل فصل الصحة النفسية عن الصحة العامة.

2. الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة: 

   وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تعد الصحة النفسية جزءًا أساسياً من الصحة العامة. تعزيز الصحة النفسية يؤدي إلى تحسين القدرة على التكيف مع الضغوط اليومية والمساهمة بشكل فعال في المجتمع. لذلك، يجب أن تكون الصحة النفسية جزءاً لا يتجزأ من السياسات الصحية العامة التي تركز على الوقاية والعلاج والتأهيل.

3. تقليل الوصمة وتحسين الوصول إلى الخدمات: 

   دمج الصحة النفسية في السياسات العامة وسيلة فعالة لتقليل الوصمة المجتمعية المرتبطة بالأمراض النفسية. من خلال نشر الوعي وتوفير الدعم الحكومي، يمكن تحسين فهم المجتمع للأمراض النفسية، وتعزيز وصول المرضى إلى الخدمات الصحية بشكل أفضل.

 دور الحوكمة في دمج الصحة النفسية:

1. القيادة وتوجيه السياسات: 

   تلعب الحوكمة دورًا محوريًا في تنفيذ السياسات المتعلقة بالصحة النفسية. يتطلب وجود قيادة قوية لتوجيه وتنسيق الجهود بين مختلف القطاعات الحكومية والمجتمعية لوضع السياسات المناسبة وتطبيقها بشكل فعال. تُعتبر الحوكمة الجيدة عاملاً أساسياً لضمان استدامة البرامج النفسية على المدى الطويل.

2. تخصيص الموارد المالية والبشرية: 

   تعتمد فعالية السياسات الصحية النفسية على تخصيص الموارد المالية والبشرية بشكل كافٍ. إذ تضمن الحوكمة الرشيدة توجيه التمويل إلى البرامج النفسية، وتوفير الكوادر المدربة للتعامل مع الحالات النفسية وضمان حصول الأفراد على الرعاية المناسبة في الوقت المناسب.

3. توحيد المعايير والممارسات: 

   من خلال الحوكمة الفعالة، يمكن توحيد المعايير والبروتوكولات الخاصة بعلاج الأمراض النفسية على المستوى الوطني. يساعد هذا في تقديم رعاية صحية نفسية متساوية وذات جودة عالية في مختلف المؤسسات الصحية.

 أبرز التحديات في دمج الصحة النفسية في السياسات الصحية:

1. الوصمة الاجتماعية: 

   لا تزال الأمراض النفسية تحمل وصمة مجتمعية في العديد من الدول، مما يجعل الأفراد يترددون في طلب المساعدة. هذه الوصمة قد تؤدي إلى تأخير التشخيص والعلاج، وبالتالي تفاقم الحالة النفسية. لذلك، يتطلب التغلب على هذا التحدي جهودًا مكثفة في مجال التوعية المجتمعية.

2. نقص التمويل: 

   تعاني الصحة النفسية غالبًا من نقص التمويل مقارنة بالرعاية الصحية الجسدية. تحتاج الدول إلى تخصيص موارد مالية كافية لتطوير خدمات الصحة النفسية وضمان وصولها بشكل ميسر للجميع.

3. قلة الموارد البشرية المؤهلة: 

   هناك نقص عالمي في عدد الأطباء والمعالجين النفسيين المدربين. لتطبيق السياسات الصحية النفسية بشكل فعال، يجب توفير المزيد من الكوادر المؤهلة لتلبية احتياجات المجتمع.

 استراتيجيات دمج الصحة النفسية في السياسات الصحية:

1. تطوير برامج وقائية وتوعوية: 

   يجب أن تتضمن السياسات الصحية برامج توعوية ووقائية تستهدف المدارس وأماكن العمل والمجتمع بشكل عام. الهدف هو تقليل انتشار الأمراض النفسية من خلال دعم الأفراد في التعامل مع الضغوط النفسية بشكل مبكر قبل تفاقمها.

2. توفير خدمات الدعم والعلاج: 

   يجب أن تشمل السياسات الصحية برامج متكاملة لتقديم الرعاية النفسية، بما في ذلك التشخيص المبكر والدعم النفسي والعلاج المستمر. يجب أن تكون هذه الخدمات متاحة للجميع بسهولة.

3. الربط بين الصحة النفسية والجسدية: 

   يجب أن تكون الصحة النفسية جزءًا من الرعاية الصحية الشاملة التي تربط بين الصحة النفسية والجسدية، لأن العديد من الأمراض الجسدية لها أبعاد نفسية والعكس صحيح.

4. إشراك المجتمع: 

   يعد إشراك المجتمع في حملات التوعية وبرامج العلاج أمرًا ضروريًا لتقليل الوصمة وتعزيز الدعم المجتمعي للأفراد المصابين بأمراض نفسية.

 تحقيق الرفاهية والتنمية المستدامة

أخيرًا:

لا بد من الإشارة إلى أهمية دمج الصحة النفسية ضمن خدمات الرعاية الصحية العامة كجزء أساسي من نظام الرعاية الصحية الشامل. من خلال هذا الدمج، يتم تقديم خدمات الصحة النفسية لجميع المواطنين بشكل متكامل وميسر، كما هو الحال في نموذج التأمين الصحي الشامل المتبع في السويد. إذ يحصل المواطنون على رعاية نفسية شاملة تغطي جميع المراحل، بدءاً من الوقاية والعلاج، وصولاً إلى التأهيل النفسي، مما يساهم في تعزيز جودة الحياة والرفاهية العامة.

كما أن برامج الصحة النفسية المجتمعية المدعومة في السويد، جنباً إلى جنب مع العيادات النفسية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، توفر شبكة دعم قوية تضمن الوصول إلى الرعاية النفسية لكل من يحتاجها، بغض النظر عن مكان إقامته أو قدرته المالية.

ما العمل ؟

  1. تقديم خدمات الصحة النفسية بشكل متكامل مع الرعاية الصحية العامة:
    يعني ذلك التعامل مع الصحة النفسية على أنها جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، وليس مجرد خدمة إضافية أو ثانوية.
  2. تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة مثل التعليم، العمل، والصحة:
    التعاون بين هذه القطاعات يساعد في إنشاء بيئة شاملة تعزز الصحة النفسية على جميع المستويات، سواء في المدارس أو أماكن العمل أو المستشفيات.
  3. زيادة الوعي والحد من الوصمة المجتمعية المرتبطة بالأمراض النفسية:
    التركيز على حملات التوعية التي تهدف إلى تقليل الوصمة المرتبطة بالأمراض النفسية، مما يشجع المزيد من الأفراد على طلب المساعدة دون خوف.
  4. توفير التمويل اللازم لتطوير خدمات الصحة النفسية المستدامة:
    تخصيص ميزانيات كافية لتطوير بنية تحتية قوية للرعاية النفسية، بما يضمن استدامة الخدمات وتوفرها بشكل دائم للجميع.
  5. تسهيل الوصول إلى الرعاية النفسية من خلال خدمات مجتمعية ودعم عبر الإنترنت:
    يمكن استخدام التكنولوجيا لتوسيع نطاق الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، سواء من خلال الاستشارات عن بعد أو منصات الدعم النفسي عبر الإنترنت.

دمج الصحة النفسية في السياسات العامة والحوكمة يلعب دوراً كبيراً في تحسين الرفاهية العامة، وتقليل العبء الصحي والاقتصادي، بالإضافة إلى دعم تحقيق التنمية المستدامة. وهذا يساهم في بناء مجتمعات أكثر صحة واستقرارًا، ويعزز من قدرتها على التكيف مع التحديات الصحية والاجتماعية.

ويعتبر دمج الصحة النفسية في سياسات الصحة العامة والحوكمة خطوة أساسية لضمان رفاهية المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة. من خلال الحوكمة الجيدة وتخصيص الموارد المناسبة والتوعية المجتمعية، يمكن تقليل العبء الناتج عن الأمراض النفسية وتحقيق نظام صحي متكامل يعنى بجميع جوانب حياة الأفراد. يجب أن يكون دمج الصحة النفسية جزءاً أساسياً من أجندة السياسات الصحية الوطنية لضمان تقديم رعاية نفسية عادلة وشاملة.

bassam@balsamhealthcare.com

Continue Reading

مقالات شائعة