فهم أعمق وتحديات للناجين
بقلم: د. بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
بعد الشفاء من السرطان، تبدأ معركة جديدة تتعلق بالتحديات النفسية والاجتماعية التي قد تستمر لسنوات عديدة بعد العلاج. وتكشف الدراسات أن حوالي 90% من الناجين من السرطان سيواجهون تحديات نفسية وعاطفية تعود للظهور في مراحل حياتهم المختلفة، مما يجعل من الضروري وجود دعم قوي ومنظومة متكاملة للتعامل مع هذه الآثار.
1. الخوف من عودة المرض
يُعتبر الخوف من تكرار الإصابة بالسرطان أحد أكبر التحديات النفسية التي يواجهها الناجون، ويتكرر هذا الشعور في محطات مهمة خلال رحلة العلاج وما بعدها. في دراسة أجرتها “جمعية السرطان الأمريكية” عام 2020، وُجد أن 60% من الناجين يشعرون بخوف دائم من عودة المرض، ويزداد هذا الخوف في أوقات الفحوصات الروتينية أو المناسبات ذات الصلة.
وتوصي الدراسات بتعليم الناجين أدوات تمكنهم من معرفة أجسامهم وتمييز التغيرات الطبيعية عن تلك التي تستدعي استشارة طبية، مما يقلل من القلق ويساعدهم على الاستعداد لمواجهة أي تحديات صحية محتملة.
2. الحزن على الفقدان: تجربة مؤلمة لا تُنسى
يشعر الناجون بحزن عميق نتيجة فقدان الصحة أو بعض القدرات مثل القدرة على الإنجاب أو الاستقلالية الجسدية.
وجدت دراسة نُشرت في مجلة “الطب النفسي للأورام” أن حوالي 45% من الناجين من السرطان يشعرون بحزن عميق نتيجة هذه الخسارات، مما يؤثر على جودة حياتهم. ويأتي دور مجموعات الدعم هنا، حيث توفر فرصة للناجين لمشاركة تجاربهم والحصول على دعم عاطفي، مما يسهم في تحسين صحتهم النفسية.
3. الاكتئاب: التحدي الخفي بعد النجاة
الاكتئاب من أكثر التحديات شيوعًا بين الناجين من السرطان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 70% منهم يعانون من نوبات اكتئاب بدرجات متفاوتة بعد انتهاء العلاج. وجدت دراسة نشرتها “دورية الأورام النفسية” أن الناجين من السرطان أكثر عرضة للاكتئاب بسبب التغيرات الكبيرة التي مروا بها.
يتطلب العلاج الناجح للاكتئاب التشخيص المبكر والتدخل السريع، سواء عبر الدعم النفسي أو العلاج الدوائي. على سبيل المثال، يقدم “مركز MD Anderson” علاجًا يشمل الإرشاد النفسي والدعم الدوائي للناجين، مما يساعدهم على التكيف مع تحدياتهم النفسية.
4. تحديات الصورة الذاتية: فقدان تقدير الذات
التغيرات الجسدية التي قد يتعرض لها الناجون مثل التشوهات الناتجة عن الجراحة أو بتر الأطراف يمكن أن تؤثر على احترامهم لذاتهم، ويشعر نحو 35% من الناجين بانخفاض في تقدير الذات. دراسة من جامعة هارفارد تشير إلى أن هذا يؤثر على الرغبة في إقامة علاقات اجتماعية وعاطفية، ويجعلهم يعانون من عزلة اجتماعية.
التحدث بصراحة مع العائلة والأصدقاء حول هذه التحديات يساعد في تقليل المشاعر السلبية، ويعزز من دعم المحيطين الذي يحتاجه الناجي للتغلب على تلك المشاعر.
5. الروحانية والمعنى الجديد للحياة
تشير دراسة أجرتها “جامعة كاليفورنيا” إلى أن 75% من الناجين يجدون أنفسهم في رحلة جديدة نحو الروحانية بعد العلاج، حيث يعيد الكثيرون اكتشاف أهمية القيم الروحية و الدينية في حياتهم. وتشير الأبحاث إلى أن الروحانية تعزز من جودة الحياة وتساعد على التكيف مع التحديات، مما يقلل من الاكتئاب ويزيد من قوة الدعم الاجتماعي.
6. الشعور بالذنب للبقاء على قيد الحياة
يشعر بعض الناجين من السرطان بشيء يُعرف بـ “ذنب البقاء”، حيث يتساءلون عن سبب نجاتهم بينما لم يتمكن آخرون من النجاة. يُعتبر هذا التحدي عاطفيًا بشكل خاص، حيث أظهرت دراسة في مجلة “السرطان والعلاج النفسي” أن حوالي 25% من الناجين يعانون من هذا الشعور بشكل مستمر، ويؤثر على رضاهم عن حياتهم.
يمكن الاستعانة بمعالج نفسي ليساعد الناجين على التغلب على هذا الشعور، ويمكن أن توفر مجموعات الدعم تجربة تعافي مشترك تساعد في تجاوز هذا التحدي.
7. التأثير على العلاقات الاجتماعية:
تغييرات ملموسة بعد التشخيص
بعد التشخيص بالسرطان، قد يشعر الناجون بتغيير في تعامل الآخرين معهم؛ فقد يتجنب بعض الأصدقاء أو الزملاء الحديث عن السرطان أو حتى يبتعدون. وأظهرت دراسة لجمعية السرطان الأمريكية أن الناجين الذين انضموا إلى مجموعات دعم شعروا برضا أكبر وتقدير أعلى للعلاقات الاجتماعية الجديدة التي كونوها مع الناجين الآخرين.
8. تحديات بيئة العمل
يشعر بعض الناجين من السرطان بأنهم لم يعودوا قادرين على التفاعل بنفس الطريقة مع زملاء العمل الذين لم يمروا بتجربة السرطان، وقد يتردد البعض في الحديث عن تجربتهم بسبب الخوف من التمييز. دراسة من جامعة جونز هوبكنز أشارت إلى أن وجود بيئة عمل داعمة، تتضمن مجموعات دعم وموارد نفسية، يساعد الناجين على تحسين تجربتهم المهنية.
التكاتف والدعم النفسي
توضح هذه التحديات الأهمية البالغة للدعم المجتمعي والنفسي للناجين من السرطان. فالتغلب على التأثيرات النفسية والاجتماعية للسرطان يتطلب تضافر الجهود من الأصدقاء، العائلة، المعالجين النفسيين، والمجتمع ككل.
إن وجود دعم قوي يعزز من قدرة الناجين على التكيف مع حياتهم الجديدة والمضي قدمًا نحو حياة مليئة بالأمل.
bassam@balsamhealthcare.com