استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية فرض حصار طيلة ستة عقود على كوبا ، الجزيرة الأقرب إلى الشاطئ الأمريكي ، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في حصار فيروس كورونا ، وبالمقابل نجحت كوبا في التعامل مع هذا الفيروس، وفي مساعدة دول أخرى مثل ايطاليا.
هل يمكن أن تتعلّم الولايات المتحدة الأمريكية من تجربة كوبا ؟
المسألة لا تتعلق بالإمكانيات المادية و امتلاك التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وغير ذلك ، بل تتعلق بطريقة استثمارها ، كوبا نجحت في الاستثمار في الإنسان والمعرفة لصالح الإنسان . وتنفق الحكومة الكوبية على الرعاية الصحية 431 دولار سنوياً للفرد ، مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية التي تنفق 8553 دولار سنوياً أي حوالي عشرين ضعفاً . ومع ذلك فإن معدل وفيات الرضع في كوبا أقل من معدل وفيات الرضع في الولايات المتحدة. وفي مواجهة هذا الفيروس لم تعتمد كوبا إلا على الوعي لأنه أساس الرعاية الصحية والطب الوقائي ، وهذا ما يميز نظامها الصحي عن غيره في العالم. وكما هو معلوم فإن الرعاية الصحية تعتبر من أهم مؤشرات التطور في العالم .
الوعي كلمة طنّانة
في الولايات المتحدة الاميركية 200 يوم للتوعية الصحية ، وفي عام 2016 أجريت دراسة في مايو كلينيك وتبين أن 3 % فقط من الأميركيين استوفوا أربعة مؤهلات لـ “نمط حياة صحي” – كونهم :
غير مدخنين .
اتباع نظام غذائي صحي.
ممارسة الرياضة 150 دقيقة في الأسبوع .
الحصول على نسبة صحية من الدهون في الجسم.
وتشير الدراسات الصادرة عن مركز الوقاية من الأمراض والسيطرة عليها إلى أن نسبة 40% من الأميركيين لا يغسلون أيديهم دائماً بعد الخروج من الحمّام في البيت. ورغم أن الأيام الصحية عادة ترافقها حملات ” توعية صحية ” ، إلا أن هذه الحملات يبدو أنها ” خجولة ” ، ولا يتم تقييمها ، أو غير مصمّمة بشكل ملائم ،
الأمية الصحية في أمريكا
قد يستغرب البعض بأننا نتحدث عن ” الأمية الصحية ” في هذه الأيام ، وبالذات عن الولايات المتحدة الأمريكية التي غزت العالم ” هوليودياً” و ” ثقافياً “، بحيث صار نمط الحياة الأمريكية هو السائد في كثير من الدول ، من ارتداء الجينز ، إلى تناول القهوة من منافذ بيع القهوة ، وتناول الوجبات السريعة ، وما الداعي إلى ” الطبخ والنفخ ” ، وهكذا . واليوم لسنا بحاجة إلى أي دليل إضافي لإثبات هشاشة النظام الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية ، وأن تايلاند مثلاً أو كوبا هي الأفضل في مجال الرعاية الصحية . إذ يفتقر تسعة من كل عشرة أشخاص بالغين في أمريكا إلى المهارات اللازمة لإدارة صحتهم والوقاية من الأمراض.
محو الأمية الصحية
هي الدرجة التي يتمتع بها الأفراد بالقدرة على الحصول على المعلومات والخدمات الصحية الأساسية اللازمة لاتخاذ القرارات الصحية المناسبة ومعالجتها وفهمها. ويعتمد مستوى الإلمام بالصحة لدى الناس على فهم ثلاثة عناصر:
الحالة الطبية أي “المرض “.
الأسباب التي تم فيها اختيار علاج معين لهم.
السلوكيات المناسبة واستخدام العلاجات التي يمكن أن تحّسن حالتهم مع تقليل خطر الآثار الجانبية.
دروس مستفادة
في كوبا ثمانية أطباء لكل 1000 مواطن ، أي أكثر من ضعف المعدل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (الولايات المتحدة لديها 2.5 الأطباء لكل 1000 ، والمملكة المتحدة 2.7 لكل 1000 وفقا للبنك الدولي).
يتمركز العديد من هؤلاء الأطباء في المراكز الطبية في الأحياء، وإلى جانب ممرضة ودعم من الأخصائيين الزائرين، يراقبون عن كثب صحة ورفاه كل كوبي.
التقييم الصحي السنوي لكل فرد، وغالبًا ما يتم في منازلهم.
تعزيز السلوك الصحي، والكشف عن الأمراض، ومحاولة إزالة الحواجز البيئية والاقتصادية التي تحول دون الرعاية.
التحديات الصحية الجديدة في كوبا تواجهها في الاستثمار الضخم في التثقيف في مجال الصحة العامة.
الدول التي كشف فيروس كورونا هشاشة نظامها الصحي ، عليها أن تعيد التفكير في الاستثمار في الطب الوقائي قبل العلاجي ، وهذا يتطلب استراتيجية وطنية للوقاية من الأمراض ، لتعزيز الصحة في كل مرحلة من مراحل حياتنا اليومية لكي تصبح الصحة أسلوب حياة ، والخطوة الأولى تكمن في زيادة الوعي. فالجمهور يحتاج إلى التثقيف والاستعداد واليقظة.
وهذا يتطب التواصل الفعال الذي يعتبر خطوة هامة في تحسين محو الأمية الصحية، وخصوصاً في الأزمات، فالجمهور يكون متعطشاً للمعلومة الصحيحة، وإن تأخرت أو لم تحمل الحقيقة كاملة ، ستنتشر الشائعات وتشتغل محركات البحث ، و يتم تبادل المعلومات الخاطئة أو المضللة ، والشائعات وبالتالي ينتشر القلق والخوف لحدّ الذعر.
كسب الثقة
ومن هنا ندرك بوضوح مدى أهمية التواصل ليس فقط لزيادة الوعي وتوفير خطوات العمل اللازمة، ولكن أيضًا لكسب الثقة والحفاظ عليها من خلال :
دراسة متأنية وصياغة دقيقة للرسائل الهادفة التي تهيء أفراد المجتمع وتحثّهم على القيام بدورهم الواعي في إدارة الأزمة ونجاح الخطة الوطنية ،وهذا يعني تحسين مستوى الأمية الصحية ، من خلال تمكين أفراد المجتمع باستخدام استراتيجيات الاتصال الفعالة لإثراء القرارات الفردية التي تعزز الصحة و تؤثر عليها وبالتالي تغيير السلوك.
معرفة جمهورك ، فحينما تعرف جمهورك بشكل واضح ؛ يمكنك تركيز رسالتك؛ ومعرفة أين ومتى ولمن وكيفية تقديم المعلومات الرئيسية .
من العناصر الأساسية لأي جهد جيد للتواصل الصحي الاعتماد على التقييم المستمر لتحسين الاستراتيجيات .
قُل فقط ما تعرفه بالتأكيد وفقط عندما تعرفه . وكن متعاطفاً مع الجمهور .
فهم احتياجات الجمهور وتوفيرها بعد التأكد من أن المعلومات المقدمة موثوقة ودقيقة.