الرعاية الصحية الحديثة: صناعة بيولوجية أم معلوماتية؟

 تحديات توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب

 د. بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي

عندما كُلِّفت من قِبل د. علي العبيدلي، المدير التنفيذي للشؤون الأكاديمية في شركة أبوظبي للخدمات الصحية “صحة”، بترجمة كتاب “الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية” لمؤلفه الدكتور أنطوني تشانج، واجهتني العديد من الأسئلة المحورية حول مستقبل الرعاية الصحية، وهل الذكاء الاصطناعي بأجياله المتعددة يمكنه الاستغناء عن الطبيب ، واكتشفت حينها وفي كل محطة من محطات الكتاب ، أن السؤال الذي يجب أن نطرحه هو : كيف يمكن توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان الصحيح الجسم أو المريض ، وكيف يمكن الاستثمار في المعرفة البشرية والذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان ، هذه التساؤلات هي التي تمكننا من الاستفادة بشكل صحيح بأسس علمية ودعائم أخلاقية من تقنيات الذكاء الاصطناعي .

توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب

الدكتور تشانج، بخبراته الواسعة ومؤهلاته المتعددة، يجسد نموذجًا حيًا لكيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في الطب. من خلال منصبه كمدير للابتكار في “معهد الذكاء والابتكار الطبي” (M13) في مستشفى الأطفال بمقاطعة أورانج، يبرز أن الرعاية الصحية لم تعد مجرد صناعة بيولوجية، بل أصبحت اليوم صناعة معلوماتية قائمة على البيانات والتكنولوجيا.

في كتاب الدكتور تشانج، تبرز عبارة محورية: “الرعاية الصحية هي الصناعة المعلوماتية التي لا زالت تظن أنها صناعة بيولوجية.”، وهي عبارة تسلط الضوء على واقع متغير في الرعاية الصحية، التي طالما اعتمدت على البيولوجيا كأساس، لكنها الآن تواجه ثورة رقمية تتطلب تحولًا جذريًا في الفهم والتطبيق.

الرعاية الصحية: من بيولوجيا إلى معلوماتية

في الماضي، كانت الرعاية الصحية تعتمد بشكل كبير على العلوم البيولوجية لتشخيص الأمراض وعلاجها. كان الأطباء يعتمدون على الفحوصات السريرية والمخبرية، والعلاجات الدوائية. لكن مع تطور التكنولوجيا واندماجها في حياتنا اليومية، أصبح من الضروري إدراك أن البيانات والمعلومات قد أصبحت الركيزة الأساسية في تحسين جودة الرعاية الصحية.

السجلات الصحية الإلكترونية (EHRs)، وتحليل البيانات الضخمة (Big Data Analytics)، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI)، أصبحت جميعها أدوات أساسية في الرعاية الصحية الحديثة. البيانات الصحية التي يتم جمعها من الأجهزة القابلة للارتداء والتطبيقات الصحية تُستخدم لتحليل الأنماط الصحية، التنبؤ بالأمراض، وتقديم توصيات علاجية دقيقة.

الرعاية الصحية الحديثة

الذكاء الاصطناعي أصبح الآن المحرك الرئيسي للتحول الرقمي في الرعاية الصحية. باستخدام تقنيات مثل التعلم الآلي والتعلم العميق، يمكن للنظم الذكية تحليل كميات هائلة من البيانات الطبية بسرعة ودقة فائقة. هذا التحول يساعد في تشخيص الأمراض بشكل أسرع وأكثر دقة، ويعزز من قدرة الأطباء على اتخاذ قرارات طبية أكثر استنارة.

لكن المسألة لا تقتصر فقط على تطبيق البرامج أو الروبوتات في المستشفيات، بل تتعلق بكيفية إدارة هذه الأدوات وفهم دورها في تحسين جودة الرعاية الصحية، رفع مستوى السلامة، وتقليل الأخطاء الطبية.

التحول الرقمي: ضرورة أم ترف؟

عند النظر إلى التسارع الهائل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب، يصبح من الواضح أن التحول الرقمي في الرعاية الصحية لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة ملحة لتحسين جودة الرعاية الصحية. فالتقنيات الرقمية تقدم حلولًا أكثر دقة وكفاءة، ما يسهم في تحسين تجربة المريض وتقليل الأخطاء.

ومع ذلك، يظل السؤال قائمًا: لماذا تفشل بعض المؤسسات الصحية في هذا التحول؟
الجواب يكمن في التوعية وتهيئة العاملين. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو وسيلة لتحسين أداء الأنظمة الصحية. المؤسسات التي تفشل في تهيئة موظفيها للتعامل مع التقنيات الحديثة قد تجد صعوبة في تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الأدوات.

تحديات التحول الرقمي في الرعاية الصحية

التحدي الأكبر الذي تواجهه المؤسسات الصحية هو كيفية الاستفادة الفعالة من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية. توفر التكنولوجيا ليس كافيًا؛ بل يجب توفير التدريب المناسب للعاملين وخلق بيئة عمل تدعم استخدام التقنيات الحديثة. يتطلب ذلك بناء عقلية جديدة تعتمد على البيانات والمعلومات لتقديم رعاية صحية أفضل وأكثر أمانًا.

التحول الرقمي: استثمار في المستقبل

التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة ليست مجرد ترف، بل هي استثمار ضروري لتحقيق التحسين المستمر في جودة الرعاية الصحية. لتحقيق هذا التحول بشكل صحيح، يجب الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتدريب العاملين، وتثقيفهم بأهمية هذه الأدوات في تحقيق الجودة والسلامة وتقليل الأخطاء الطبية.

 ضرورة التحول الرقمي

الرعاية الصحية الرقمية لم تعد خيارًا، بل هي ضرورة ملحة لتحسين جودة الرعاية وتحقيق نتائج أفضل للمرضى. الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة هما الأدوات التي تمكننا من تحقيق هذا التحول، ولكن النجاح يعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة هذه العملية بشكل صحيح.

التحول الرقمي لا يعني فقط تركيب روبوتات أو برامج، بل هو عملية شاملة تتطلب توعية وتدريب العاملين، وفهمًا عميقًا لكيفية توظيف هذه الأدوات لتحقيق الرعاية الصحية المثلى.

ولا شك أن المؤسسات التي تتبنى هذه الرؤية ستكون قادرة على تقديم رعاية صحية أفضل، وتحقيق النجاح في المستقبل.

bassam@balsamhealthcare.com