د.بسام درويش
مستشار في الإعلام الصحي والتطوير الطبي
يُعد مرض السكري من الأمراض المزمنة الأكثر تكلفة على مستوى العالم، وتحديداً في الولايات المتحدة، حيث يشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على النظام الصحي. يبرز السكري كأحد أبرز تحديات الرعاية الصحية، ليس فقط بسبب العبء الجسدي والصحي، ولكن أيضًا بسبب التكاليف الباهظة التي يتكبدها المرضى ومقدمو الرعاية الصحية. وفي ضوء ارتفاع هذه التكاليف، تصبح الوقاية والتأمين الصحي وجهان أساسيان للحد من الأعباء المالية وتعزيز حياة أفضل للمصابين.
التكلفة الاقتصادية لمرض السكري
أظهر تقرير جمعية السكري الأمريكية لعام 2022 أن التكلفة السنوية لمرض السكري في الولايات المتحدة بلغت 412.9 مليار دولار. تشمل هذه التكلفة 306.6 مليار دولار في التكاليف الطبية المباشرة، مثل الفحوصات والعلاجات والأدوية، و106.3 مليار دولار في التكاليف غير المباشرة، مثل فقدان الإنتاجية وتغيب المرضى عن العمل. وتعتبر مضاعفات السكري، مثل أمراض القلب والكلى والسكتات الدماغية، من أهم عوامل رفع هذه التكاليف. على سبيل المثال، أظهرت إحدى الدراسات أن تكاليف المضاعفات بين مستفيدي برنامج “ميديكير” الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا وصلت إلى 37 مليار دولار سنويًا.
ومع تقدم مضاعفات المرض إلى مراحل أكثر خطورة، ترتفع التكاليف بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، تتراوح تكلفة علاج أمراض الكلى من 1,800 إلى 9,500 دولار سنويًا، ولكن عند تطور الحالة إلى الفشل الكلوي والحاجة إلى زراعة كلى، قد تصل التكاليف إلى 80,000 دولار. تكشف هذه الأرقام عن عبء اقتصادي هائل لا يتحمله المرضى فقط، بل يمتد ليؤثر على الاقتصاد الكلي ونظام الرعاية الصحية.
التحديات المرتبطة بالسكري
من أهم التحديات التي تواجه مرضى السكري والمجتمع هي التكاليف العالية للعلاج، والتي غالبًا ما تكون مرتفعة جدًا بحيث لا يستطيع بعض المرضى تحملها. بالإضافة إلى ذلك، يعاني النظام الصحي من ضغط كبير نتيجة لهذه التكاليف، حيث يمثل مرض السكري ربع الإنفاق الصحي في الولايات المتحدة. كما أن ارتفاع أسعار الأدوية، وخاصة الأنسولين، يعزز من هذا التحدي. فقد زادت التكلفة المعدلة للتضخم للأنسولين بنسبة 24% من 2017 إلى 2022، وارتفعت الإنفاقات عليه من 8 مليارات دولار إلى 22.3 مليار دولار خلال العقد الماضي.
كما يواجه كبار السن المصابون بالسكري تحديات صحية ومالية مضاعفة، إذ يضطرون لإنفاق مبالغ هائلة على الرعاية الصحية السنوية. وتتحمل بعض الفئات، مثل الأمريكيين السود والنساء، تكلفة أعلى في النفقات الصحية مقارنة بالفئات الأخرى. إضافة إلى ذلك، تؤدي مضاعفات السكري إلى فقدان الإنتاجية بسبب تغيب المرضى عن العمل، مما يزيد من الضغط على النظام الاقتصادي.
الوقاية كحل اقتصادي فعّال
يمكن للتشخيص المبكر والعلاج الفعال لمضاعفات السكري أن يساعدا في تقليل التكاليف. إن التركيز على الوقاية والكشف المبكر عن المضاعفات قبل أن تتفاقم يمكن أن يكون له تأثير كبير في الحد من التكلفة، سواءً على مستوى الأفراد أو النظام الصحي بأكمله. على سبيل المثال، تقليل معدلات تقدم مرض الكلى من خلال الرعاية الوقائية يمكن أن يخفض التكاليف الباهظة للعلاج المتقدم والفشل الكلوي.
إضافة إلى ذلك، يمكن لبرامج التوعية الصحية وحملات التثقيف العامة حول السكري أن تلعب دورًا حاسمًا في الوقاية وتقليل مخاطر المرض. عندما يتخذ الأفراد خطوات للتعامل مع السكري في مراحله المبكرة من خلال أنماط حياة صحية، مثل الغذاء الصحي والرياضة، يمكنهم تجنب المضاعفات طويلة الأمد وتقليل الحاجة إلى التدخلات الطبية المكلفة.
دور التأمين الصحي
يأتي دور التأمين الصحي كعامل مهم في تقليل العبء المالي على المرضى والنظام الصحي. فالتأمين الصحي، سواء العام أو الخاص، يساهم في تحمل جزء كبير من تكلفة علاج مرض السكري ومضاعفاته. وعلى الرغم من وجود برامج مثل “ميديكير” التي تدعم كبار السن، إلا أن هناك حاجة ملحة لتحسين وتوسيع هذه البرامج لتغطية أوسع وشاملة لمصابي السكري.
يمكن لصناع السياسات النظر في وضع قوانين جديدة لدعم أسعار الأدوية، وخاصة الأنسولين، من خلال سياسات التحكم في الأسعار والتفاوض مع شركات الأدوية. كما يمكن للتأمين الصحي أن يلعب دورًا أكبر في تمويل برامج الوقاية والرعاية المستمرة، مما يسهم في تقليل الحاجة إلى العلاجات المكلفة لمضاعفات السكري.
التوصيات والحلول المستقبلية
- تعزيز الوقاية والتوعية: يجب التركيز على حملات التوعية بأهمية نمط الحياة الصحي والتغذية السليمة والنشاط البدني كجزء من الوقاية من مرض السكري. وتشمل هذه الحملات التعليم عن المخاطر المرتبطة بالسكري وكيفية تجنبها من خلال السلوك الصحي.
- دعم الأدوية وتحسين الوصول إليها: يجب تحسين سياسات الأدوية لتقليل تكلفة الأدوية الحيوية لمرضى السكري مثل الأنسولين، وجعلها متاحة بأسعار معقولة لجميع الفئات.
- التشخيص المبكر والعلاج المكثف: يوفر التشخيص المبكر للسكري والمضاعفات إمكانية التدخل السريع وتجنب المراحل المتقدمة والمكلفة من العلاج. يمكن أن تكون الفحوصات الدورية وخطط الرعاية الوقائية أدوات فعالة لتحقيق ذلك.
- التوسع في التأمين الصحي الشامل: ينبغي أن تقدم أنظمة التأمين الصحي تغطية أكبر لمرضى السكري، خاصة لكبار السن والفئات الأكثر تضررًا، لضمان حصول الجميع على الرعاية اللازمة.
- تحسين إنتاجية العمل ودعم الاقتصاد: من خلال دعم الصحة العامة، يمكن تحقيق عائد اقتصادي من خلال تقليل التغيب عن العمل وزيادة الإنتاجية. على سبيل المثال، يمكن لبرامج العمل المرنة والداعمة أن تساعد المصابين بالسكري في الحفاظ على وظائفهم والإسهام بشكل فعال في الاقتصاد.
خاتمة
يعتبر مرض السكري من الأمراض المزمنة التي تتطلب استراتيجيات متعددة لمواجهتها، ليس فقط من منظور طبي ولكن أيضًا من منظور اقتصادي واجتماعي. ومع التحديات الكبيرة التي يفرضها هذا المرض، هناك فرص لتحقيق تحسينات جذرية من خلال سياسات الصحة العامة الفعّالة، وتحسين أنظمة التأمين الصحي، والتركيز على الوقاية والتشخيص المبكر. كما أن الاستثمار في الوقاية والعلاج الشامل لمرض السكري يمكن أن يكون من العوامل المحورية لتحسين جودة الحياة وتخفيف العبء الاقتصادي الكبير على الأفراد والمجتمع ككل.